أسكن على مرمى حجر من أهرامات الجيزة الخالدة، ولا يمر يوم واحد إلا وأطالع من قريب المشهد المهيب للموقع السياحى الأشهر فى العالم، غير أننى لم أدخل منطقة الزيارة منذ أكثر من 15 عاما، بعد تجربة سيئة، برفقة أبنائى عندما كانوا صغارا، وقد ولدت لدينا، من يومها، ما يمكن أن نطلق عليه «الهرموفوبيا»، أو رهاب الخوف من زيارة هذا الإرث الحضارى الذى يأتى إليه البشر من شتى بقاع الدنيا.
أتذكر مقدار الشغف والحماس الذى كان يشع من عيون أبنائى ونحن نستعد لزيارة الأهرامات، رغبة منهم فى مشاهدة هرم خوفو، إحدى عجائب الدنيا السبع،الذى قرأوا عنه كثيرا، قبل أن تتحول تلك الزيارة إلى ذكرى مؤلمة، وكابوس مزعج، يصعب التخلص منه.
بمجرد دخولنا من بوابة رسوم ميناهاوس، ذات صباح يوم صيفى، وعلى بعد خطوات من الهرم الأكبر، بدأت المضايقات، فهذا يعرض خدماته فى الشرح والتعليق، وآخر يقترح بإلحاح سمج برنامجا خاصا للتجول فى المنطقة، قبل أن نقع فى مصيدة أصحاب الدواب الذين وصل الأمر بأحدهم إلى حد الإمساك بالأطفال الصغار، فيما يشبه الاحتجاز، لإجبارى على ركوب جمله، ولولا تهديدى باستدعاء رجال الشرطة ما أفلتنا من قبضة هذا «البلطجى» الذى يظن أن الرزق يأتى عنوة.
أعتقد أن كثرا ممن زاروا منطقة الأهرامات فى السنوات الأخيرة قد مروا بهذه التجربة السخيفة، التى ترصدها، للأسف، فى بعض الأحيان، كاميرات هواتف سياح جاءوا للاستمتاع برحلة ترفيهية ثقافية، لطالما حلموا بها، فإذا بهم يخرجون بانطباع ليس فى صالحنا على كل حال.
وعلى الرغم من الإحباط الذى تركته زيارة الأهرامات فى نفوس أبنائى إلا أننى أتابع فى العامين الأخيرين، بشكل شبه يومى، بحكم الجيرة على الأقل، كل شاردة وواردة بشأن تطوير هذه المنطقة السياحية الأهم لدينا، وأنا أمنى النفس بزيارة جديدة بلا منغصات، أو سلبيات ولدتها عقود من عدم الاهتمام المطلوب بدرة تاج الآثار المصرية.
كان من الطبيعى، إذن، أن أتفاعل مع بدء التشغيل التجريبى لمنظومة زيارة هضبة الأهرامات، عبر بوابة طريق الفيوم منتصف الأسبوع الماضى، وما رافقها من معوقات، وقطع لأصحاب الدواب الطريق على حافلات السياح، اعتراضا على المسار الجديد للزيارة الذى تقول شركة أوراسكوم بيراميدز المسئولة عن تطبيقه إنه يستهدف جعل تجربة دخول وخروج المنطقة الأثرية متعة للسياح والزائرين، وليس عبئا عليهم.
اعتراض أصحاب الجمال والخيول على تشغيل المنظومة الجديدة التى يرون أنها أبعدتهم عن مصدر رزقهم، بعد نقلهم إلى منطقة «التريض»، لم يكن الاعتراض الوحيد على التجربة الجديدة، إذ اشتكى المرشدون السياحيون بدورهم من طريقة نقل السياح بحافلات غير تلك التى جاءوا بها، وما نتج عنه من تكدس وزحام، لقلة الحافلات الكهربائية التى وفرتها الشركة المسئولة عن المنظومة الجديدة خاصة فى يومها الأول.
شركة أوراسكوم بيراميدز، التى تقول إنها أنفقت نحو 1.5 مليار جنيه لتطوير المنطقة الأثرية بالأهرامات، اقترحت خلال اجتماع حضره الدكتور محمد إسماعيل، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مع ممثلى شركات السياحة، تمكين الشركات الراغبة من استخدام حافلات كهربائية خاصة لنقل أفواجها السياحية داخل الهضبة، وقالت إنها تسعى لحل عملى يرضى جميع الأطراف.
ومع تصاعد الجدل بشأن المنظومة الجديدة، كان منطقيا أن يصل الموضوع إلى مجلسى النواب، والوزراء، وأن يطرح خلال اجتماع للدكتور مصطفى مدبولى، بحضور وزير السياحة والآثار، شريف فتحى، وعدد كبير من المسئولين، حيث أكد رئيس الوزراء على ضرورة تضافر جهود مختلف الوزارات والجهات المعنية، لنجاح التشغيل التجريبى لزيارة المنطقة الأثرية فى هضبة الأهرامات، والالتزام بالخطة الموضوعة مُسبقا.
النقاش بين أطراف منظومة التشغيل الجديدة، كأصحاب الدواب وشركات السياحة، ومحافظة الجيزة، وهيئة الآثار، وشركة أوراسكوم بيراميدز، ومجلس الوزراء، يجب ألا ننزعج من علو صوت بعض أطرافه، خاصة فى وسائل الإعلام، إذا أردنا حقا الشفاء من رهاب «الهرموفوبيا» الذى أصاب زوارًا للأهرامات، ذات يوم.