طغت أنباء النزاعات الجمركية على كل من الأخبار العالمية من جهة، وعلى أسواق السلع والعملات من جهة أخرى، نظرًا لحالة «عدم اليقين» التى سادت العالم سياسيًا واقتصاديًا فى الوقت نفسه.
ارتفع سعر الذهب إلى مستوى قياسى، الملجأ الرئيس عند الاضطرابات، (تراجع حاليًا بعد التوصل لاتفاق مبدئى بين أمريكا والصين)، وزاد النزاع الجمركى على حدة الخلافات ما بين الدولتين الاقتصاديتين الكبريين عالميًا، الولايات المتحدة والصين، كما أدى هذا الخلاف إلى بروز خلافات غير مسبوقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، ومع كل من كندا والمكسيك، وقد طغت هذه النزاعات على أجندة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته الثانية، ولا تزال هذه الخلافات تحتل أولوية الأجندات لهذه الدول، إذ لم يتم الاتفاق سوى ما بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وأخيرًا مع الصين، احتلت الطاقة نصيبًا فى هذه النزاعات، خصوصًا بين الولايات المتحدة وكندا من جهة والمكسيك من جهة أخرى، إلا أن النزاع برمته ترك بصماته على النفط، وهذا أمر متوقع فالنفط هو السلعة الاستراتيجية الأوسع استعمالًا فى التجارة العالمية، وقد شهد النفط منذ بداية النزاع تدهورًا فى سعره من نحو 70 دولارًا للبرميل إلى 59 دولارًا، ثم عاد ليرتفع ثانية إلى فوق 66 دولارًا، بعد الاتفاق التجارى الأولى بين أمريكا والصين.
تدل المعلومات الصادرة عن مصافى التكرير إلى ارتفاع الطلب على المنتجات البترولية، خصوصًا البنزين، فى فصلى الربيع والصيف، حيث يزداد الإقبال على استعمال السيارات للتنزه لمسافات طويلة، ومن ثم تخزين كميات ضخمة من البنزين، ومن المتوقع فى معظم الحالات ازدياد الطلب عند انخفاض الأسعار، فكان السبب وراء تدهور الأسعار هو توقعات بانكماش الحركة التجارية العالمية إلى حين وضوح الرسوم الجمركية المتفق عليها، والسلع التى تغطيها.
تشير المعلومات فى الوقت نفسه إلى تراوح الطلب العالمى على النفط فى نطاق 103 - 105 ملايين برميل يوميًا، وهو معدل الطلب العالمى الذى تم التوصل إليه فعلًا بعد انتهاء جائحة «كوفيد-19»، ويؤكد ارتفاع الطلب على النفط بعد «كوفيد-19»، واستقرار معدلات الطلب حاليًا على مستوى عالية، صحة ما توقعته منظمة «أوبك» منذ فترة، وذلك باستمرار ارتفاع الطلب على النفط، رغم توسع استعمال الطاقات المستدامة من الرياح والشمس.
السبب لهذا التوقع، الذى برهنت على صحته فترة الأزمات الجمركية، التى كانت الأصعب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أن السبب الذى أوردته «أوبك» فى حينه لتوقعها باستمرار ارتفاع الطلب على النفط هو الزيادة المستمرة فى عدد سكان العالم، والارتفاع المستمر فى مستوى المعيشة فى الدول النامية، الأمر الذى يعنى زيادة استعمال السيارات والحافلات، ناهينا عن السفر الجوى أو البحرى، وازدياد استعمال الأدوات الكهربائية فى المنازل، حتى فى حال انخفاض الطلب على النفط فى الدول المتقدمة، فإن الزيادة العالية لسكان الدول النامية، والفرق ما بين مستواهم الاجتماعى والاقتصادى الحالى والمتوقع مستقبلًا، كما هى الحال فى الصين والهند وبقية دول جنوب وشرق آسيا، سيشكل كل ذلك الدعم الرئيس لزيادة الطلب على النفط، وخير دليل على ما نقوله هنا، هو أن استهلاك الصين حاليًا نحو 10 ملايين برميل يوميًا، أو نحو 10 فى المائة من مجمل الطلب العالمى.
إضافة إلى هذا وذاك، فإن التقدم العلمى الحاصل، يعتمد على الكهرباء، ولتوليد الكهرباء سيحتاج العالم إلى مزيد من النفط، وخير مثال على ذلك: استهلاك وسائل الذكاء الاصطناعى والسيارات الكهربائية كثيرًا من الكهرباء، ومن ثم الحاجة إلى توليدها من النفط وغيره من مصادر الطاقة.
وليد خدورى
خبير اقتصادى من العراق
صحيفة الشرق الأوسط