عقدت القمة العربية الـ 29 فى الدمام بالسعودية، وانفضت، وسط عواصف وتحديات، حاول البيان الختامى الإلمام بها، وتطرق إليها القادة المشاركون فى كلمات رسمية، وحوارات جانبية، وتحدث كل حسب رؤيته، غير أن قسوة الواقع العربى أقوى من الأحاديث، وأشد خطرا مما تتضمنه متون البيانات الصادرة عن هذه القمة أو سابقاتها.
الإطلالة المعمقة، أو حتى المتعجلة، على ما يدور بالساحة العربية، ستعكس الحال المزرية التى وصلنا إليها، بفعل التناحر والتصارع، والنظرة الضيقة للمصالح، حتى باتت الأرض العربية مسارح للقوى الكبرى والصغرى، كل يفرض شروطه ويملى أوامره، فوق الجثت والدماء العربية المراقة وسط الخرائب، وأطلال المدن المدمرة، فيما اصحاب الأرض وقد أصابتهم لوثة الانتقام من بعضهم البعض، تحت شعارات ورايات زائفة تدعى وصلا بليلى، وتتبجح أحيانا بامتلاك الحقيقة المطلقة، ومفاتيح السماء.
ذهب القادة العرب إلى «قمة القدس»، كما اطلق عليها العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، والقدس المحتلة مهددة بالضياع بعد قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيونى، ونقل السفارة الأمريكية إليها، فوجدنا كلاما معادا ومكررا عن «مبادرة السلام العربية» التى أعلنت فى العاصمة اللبنانية بيروت عام 2002، وطرح فيها القادة العرب، وقتها، مبدأ ما يسمى «الأرض مقابل السلام» أو تسليم الأرض للمحتل مقابل أوهام سلام لم يتحقق حتى الآن، على الرغم من مضى أكثر من 16 عاما على تلك المبادرة.
وعلى الرغم من مضى تلك السنوات، والتنازلات المجانية التى قدمها بعض العرب لإسرائيل وخاصة على صعيد التطبيع، المرفوض شعبيا على نطاق واسع، بزيارة بعض الشخصيات والوفود الإعلامية العربية الأرض المحتلة بتأشيرات إسرائيلية، عادت النغمة مجددا، استغل الرئيس الفلسطينى محمود عباس كلمته أمام قمة الدمام لدعوة جميع القادة العرب لزيارة القدس، بزعم أن ذلك لن يكون تطبيعا، وإنما وقوف بجوار الشعب الفلسطينى، لأن «زيارة سجين ليست كزيارة السجان»، متجاهلا أن السجان يتلهف لمثل هذه الزيارت التى ستترجم إلى قوة لاقتصاده، وتدعيما لسرقة أرض السجين.
طبعا دعوة أبومازن ربما تجد هوى فى نفوس بعض المتلهفين للتطبيع المجانى مع إسرائيل، وبينهم وزير الثقافة السعودى عواد العواد الذى أبدى قبل أيام رغبة فى التطبيع الثقافى مع إسرائيل فى «أقرب وقت»، وذلك فى اعقاب حديث ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية أخيرا، عن أن الرياض ليس لها مشكلة مع «اليهود»، وأن «للشعبين الفلسطينى والإسرائيلى الحق فى أن يكون لكل منهما أرضه».
هذه الرغبة السعودية فى التقارب مع إسرائيل لا يمكن فصلها عن السماح للطيران الهندى بعبور أجواء المملكة فى طريقه إلى تل ابيب، ومساعى محاصرة إيران وتقليص نفوذها فى المنطقة، وخصوصا فى ظل ما يدور على أرض اليمن حيث لا تكف الميليشيات الحوثية الموالية لطهران عن تهديد الرياض والأراضى السعودية بالصواريخ البالستية، التى تطلق من وقت لآخر، واستهدفت أيضا مكة المكرمة، وهو ما أدانته قمة الدمام بشدة.
وبالعودة إلى البيان الختامى للقمة العربية التى عقدت غداة العدوان الثلاثى «الأمريكى البريطانى الفرنسى» بعشرات الصواريخ على سوريا، لم نجد فى ذلك البيان سوى إدانة للنظام السورى واتهامه صراحة بضرب مدينة دوما بالأسلحة الكيماوية، قبل أن يصدر أى تقرير دولى محايد يضعنا فى صلب ما جرى، واختارت القمة ترديد الاتهامات نفسها التى ساقها التحالف الثلاثى الغربى لتوجيه الضربة المحدودة لدمشق وحمص، والتى حظيت بتأييد غالبية دول الخليج.
وباستثناء القضية الفلسطينية والوضع فى سوريا واليمن، ومكافحة الإرهاب، مر البيان الختامى على القضايا والتحديات التى تواجه باقى العواصم العربية «مرورا روتينيا، أعتقد أنه تحصيل حاصل، وترجمة لعجز عربى عن بلورة رؤية «قليلة الكلام، كثيرة الفعل»، لمنع المزيد من الانزلاق إلى الهوة السحيقة التى تنتظرنا إذ لم نتحرك فى الوقت المناسب، وقبل فوات الأوان.