عفوا لاستخدامى هذه المساحة العامة فى طرح تجربة شخصية، فإيمانى أن التجارب الشخصية مكانها الصفحات الخاصة لا المساحات العامة، ولكن وكما يقولون للضرورة أحكام ويونيو هو شهر الرئيس بامتياز.
أعلم أن التحليل السياسى فقد قيمته بسبب السخط العام والاستقطاب الذى لم يدع مجالا لأفكار وسطية أو محايدة، فضلا على أن نفرا من المحللين تحول من التحليل إلى «التلبيس» بمعنى اسقاط قيمه وأفكاره على المشهد فاختلط التحليل بالأدلجة وانتهى إلى الدعاية السياسية ضد الرئيس أو معه، لذلك أردت هذه المرة ألا أحلل ولكن أن أسرد تجربتى الشخصية مع الرئيس لعلها تفصح (بأقل تكلفة) لماذا تحول كاتب هذه السطور من تأييد الرئيس إلى معارضته بل ولاحقا اليأس منه دون أن يكون بالضرورة خائنا أو متآمرا!.
●●●
بعد أن قضيت ثمانية أعوام خارج البلاد أدرس وأعمل فى مجال السياسة عدت إلى المحروسة ثلاثة أشهر بعد إجبار الرئيس السابق على التنحى، عدت وأنا ابن الطبقة المتوسطة المحافظة المتصالحة بشدة مع دينها وعادتها مدفوعا بقيم الثورة وبحق المصريين العيش فى أوضاع أفضل، ولكن ولأننا نتاج تجاربنا فقد عدت أيضا مطعما بإيماننا حقا فى قيم الليبرالية والديمقراطية والتى أعتقد بشدة أنها لا تخالف دينى، عدت منفتحا على كل التيارات السياسية وانخرطت فى التواصل معها وتدريب كوادرها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون التميز بين حزب علمانى وآخر إسلامى.
آمنت بشدة بحق الإسلاميين فى اكتساح البرلمان والتشريع طالما انتخبهم الشعب وحنقت بشدة على بعض المعارضين الذين حاولوهدم التجربة وشيطنة الإسلاميين تحت دعاوى عدة، اقتربت بشدة من الإسلاميين وتأثرت بأفكارهم وبصدقهم وبإخلاصهم والأهم بحقهم فى التعبير عن هويتهم وأفكارهم، بعد ظلم بين تعرضوا له لسنوات طويلة.
وحينما تم حل المجلس التشريعى رأيت أن القرار مسيس بامتياز، وحينما قام المجلس العسكرى بإصدار إعلان سلطوى وبتأييد وترحيب نفر ممن اعتبروا أنفسهم أوصياء على الشعب هاجمت الإعلان بضراوة واعتبرته على الهواء مباشرة تلجيما للرئيس القادم حال كونه إسلاميا، وبعد أن راهنت على البرادعى (أيقونة الثورة الحقيقى بالنسبة لى) عدت للرهان على أبوالفتوح بعد أن اعتذر الأول، وحينما لم يوفق الثانى أيدت بلا تردد المرشح محمد مرسى فى جولة الإعادة لرغبتى فى استبعاد المرشح المحسوب على النظام القديم ودون حتى أن أعصر ليمونا!.
●●●
ظل تأييدى للرئيس مرسى منذ توليه وحتى إصداره الإعلان الدستورى، دافعت عن حقه فى الحكم والتصرف بصلاحياته دون تقييد، ورأيت بعض القنوات الإعلامية وأجهزة الدولة السيادية ونفرا من المحللين، وهم يحاولون اصطياده وتقييده على خلفية تشكيل الحكومة أو على خلفية حادثة رفح، كنت مؤمنا به وبوعوده فى اتفاق الفيرمونت الشهير وبتشكيله لهيئة استشارية موسعة حملت كل الأطياف ودافعت عنه حينما اتهم بأخونة الدولة لأنى رأيت أن الأخونة فزاعة تستخدم ضده!.
لكن ماذا حدث لاحقا؟! أصدر الرجل إعلانه الدستورى دون أن يستشير أحدا من هيئته مما دفعهم للاستقالة واحدا تلو الآخر، خلف كل وعود الفيرمونت دون أن يبقى على استثناء واحد يفى به، ثم كانت طامة أحداث الاتحادية والتى تحولت فيها الجماعة إلى شرطة وجيش ونيابة ومخابرات ووقف الرئيس سلبيا أمام كل ذلك. ثم بخطابه أمام أنصاره كان الخيار واضحا بالنسبة لى لا يمكن أن أبقى على تأيدى لرئيس سلبى يخلف وعوده ويخون معارضيه، والأهم أنه شاهد صامت على دماء وتعذيب شباب أيدوه ودافعوا عنه بالأمس القريب!.
صدر الدستور فى أوضاع كئيبة وغير اعتيادية معمقا لجو الاستقطاب، وصمم الرئيس المضى فى طريقه دون الاستماع لصوت أحد من خارج جماعته، تخبط فى سياساته بشدة، عجز أن يبرر قرار واحدا ممن اتخذه لاحقا، فاختلطت أجندته (غير المعلنة أصلا) بأجندة الدولة العميقة بشكل جعلنى أعجز بشدة عن إعادة تعريف (الفلول) واتهم الرئيس رسميا بأنه السبب فى كل ذلك.
ذهبت ملفات اعادة هيكلة الداخلية وأجهزة الدولة إلى غير رجعة، تحول ملف اصلاح القضاء من ملف ثورى إلى ملف سياسى بامتياز على مقاس الرئيس وجماعته يتم استخدامه للحصول على تنازلات سياسية لا ثورية، احتفظ الرئيس برأس حكومته الضعيف، وأنكر الواقع الاقتصادى والاجتماعى الأليم للمصريين فى عهده متهربا من مسئوليته السياسية ومتخفيا وراء أرقام وإحصاءات مشكوك فى مصداقيتها!.
●●●
استمر الرئيس فى عنده، وظهر لى بشكل جلى ضيق أفقه، هل ترك لى الرئيس إذًا خيارا للعمل بجانبه أو حتى بتأييده! هل أسلم بكلامه عن المؤامرة والحارة المزنوقة والتى عجز أن يعلن أو يدلل عليها دوما مكتفيا بها كغطاء لتبرير كل سياساته وقرارته؟! هل أتمرد وأنا أعلم أن البديل (إن وجد) سيكون أكثر ألما؟! هل أهاجر من البلد كما فعل كثيرون وأترك أحلامى التى غازلها مرشحنا ثم حطمها متعمدا؟!.
هل أراهن على نخب فى معظمها فاشلة، ولا تملك بدائل سوى الرغى فى الفضائيات؟! لماذا فخامة الرئيس فعلت بى وبملايين مثلى ذلك؟ لماذا تركتنا فى تلك المعضلة ولم تصارحنا أو تقنعنا بأى من سياساتك؟! تحولت من تأييدك إلى معارضتك ثم إلى اليأس من التغيير على يدك.. أنت مسئول أمامى وأمام كل من أيدك والأهم أمام الله عن تحولى وتحول غيرى، فهل تحدث المعجزة وتصارح وتعتذر وتغير.. أشك ولسذاجتى أتمنى!.
مدرس النظم السياسية المقارنة جامعة القاهرة