كتب بيبى سفرجنينى، كاتب وصاحب عمود فى صحيفة كوريلا ديلا سيرا، مقالا نشر بجريدة نيويورك تايمز، استهل الكاتب المقال بسؤال عن مستقبل ايطاليا حيث سجلت البطالة 40.1 فى المائة، بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 24 عاما، فى حين تزايد عدد الأشخاص فى سن 55 أو أكثر من الذين مازالوا يعملون إلى 3.5 مليون من 2.8 مليون خلال خمس سنوات فقط. وفيما يبدو أن ايطاليا ليست بلدا للشباب.
ولا تزال إيطاليا واحدة من أكثر بلدان العالم جاذبية، فقد أنعم الله عليها بالفنون وبالمناخ، كما أنها بلد سخى فى مائدة الطعام وبالغة الأناقة. ولكن من الواضح أن هذا لا يكفى. فقد بدأ العديد من الشباب الإيطاليين الفرار من بلدهم.
ويضيف سفرجنينى، فى العقد الماضى غادر إيطاليا 400 ألف خريج جامعى. ولم يصل إلى البلاد سوى 50 ألف أجنبى بنفس مستوى كفاءتهم. ولا يعتبر هذا من قبيل الانتقال الصحى والحر للبشر، الذى أنشئ الاتحاد الأوروبى لتشجيعه.
ويتعرض الايطاليون الشباب الذين يرحلون بحثا عن وظيفة إلى مخاطر كبيرة فى بعض الأحيان. فقد تعرض جويل ليوتا نادلوهو جارسون يبلغ من العمر 20 عاما، انتقل من ليكو، فى لومباردى، إلى بلدة ميدستون البريطانية، جنوب شرق لندن للركل واللكم حتى الموت على يد عصابة من المهاجرين الليتوانيين الذين اتهموه بسرقة وظائفهم.
ويقول الكاتب إن الدخول فى سوق العمل بات يمثل تحديا، حتى إن الكثيرين يتوقفون ببساطة عن البحث عن وظيفة. ووفقا للأرقام الحكومية، توقف ثلاثة ملايين ايطالى ــ نصفهم من الشباب ــ عن البحث عن عمل. ويزيد هذا الرقم، بمقدار الثلث، عن متوسط عدد مواطنى الاتحاد الأوروبى الذين يئسوا من الحصول على وظيفة.
ويرى أن جزءا من المشكلة يكمن فى القانون الإيطالى. فقد جعل القانون سوق العمل أكثر مرونة. ولكن النظام الذى أوجده يقوم على عقود قصيرة الأجل، الأمر الذى يقوض سوق الوظائف المستقرة طويلة الأجل.
وتحول التدريب المفترض أنه وسيلة الشركات لمساعدة الشباب إلى نظام يساعد الشباب من خلاله الشركات، عبر توفير اليد العاملة الماهرة منخفضة الأجر. كما أن هناك الروتين الحكومى: فحتى يقوم صاحب العمل بتوظيف متدرب، عليه أن يتردد على 12 مكتبا.
ونتيجة لذلك، فحتى أولئك الشباب الحاصلين على وظائف، يجعلونك تشعر بالألم من أجلهم. حيث يبلغ متوسط الراتب للشاب الإيطالى المولود فى الثمانينيات حوالى ألف يورو شهريا، أى ما يعادل 1.375 دولار ــ وهو ما دفع وسائل الإعلام إلى تسميتهم جيل الألف يورو. وهو مبلغ لا يمكنك من الحصول على قرض مصرفى لشراء منزلك الأول.
وحاول النظامان السابق والحالى حل هذه المسألة. ولكن الركود الاقتصادى يجعل من المهمة الصعبة، أصعب. ولم يشهد معدل نمو أقل من اقتصاد إيطاليا بين عامى 2001 و2011، سوى اقتصادين، أحدهما هايتى، التى لا تزال تعانى من زلزال عام 2010، والآخر زيمبابوى التى لا تزال تعانى من روبرت موجابى.
وكان لسيلفيو بيرلسكونى رئيس وزراء البلاد خلال معظم هذه الفترة، رؤيته الخاصة، لما يمكن أن يدفع بالشباب قدما. ففى 2008، عندما سألته شابة عمرها 24 عاما تدعى بيرلا بافونسيلو على شاشة التليفزيون الوطنى، عن كيف لها أن تنشئ أسرة من دون وظيفة، أجابها بيرلسكونى كبير المخادعين فى البلاد: «عليك ان تعملى على الزواج من مليونير مثل ابنى، أو شخص ليست لديه مثل هذه المشكلات» وأضاف «بابتسامتك هذه، يمكنك أن تجدى طريقا لذلك».
ويرى سفرجنينى أن المشكلة الحقيقية تكمن فى قبضة جيله. حيث تعتبر الطبقة الحاكمة الإيطالية ــ الأقدم فى أوروبا: يبلغ متوسط أعمار الرؤساء التنفيذيين فى البنوك 69 سنة، ورؤساء المحاكم 65 عاما، وأساتذة الجامعات 63 عاما.
ويضيف، لدينا جميعا وظائف جيدة، ولن نتخلى عنها، حتى مع تقدمنا فى السن بما يكفى لحصولنا على راتب تقاعد جيد. ولا شك أنه ينبغى إعادة النظر فى طريقة التواصل بين الأجيال، التى تحفظ ترابط المجتمع.
ومن بين الأسماء التى أطلقها الإيطاليون على بيرلسكونى البالغ من العمر 77 عاما «التمساح الاستوائى»، وهو مخلوق لا يعرف عنه الكياسة. لكن جيلنا أصغر سنا وأكثر دهاء؛ تسبب عبر مواصلة الضغوط فى خنق فريسته.
ويختتم الكاتب المقال بقوله، قبل ثلاثين عاما، كنا ننهى تعليمنا لنستقر فى وظائف ونتنسم عبير المستقبل. يومها كنا نريد تحقيق عالم أفضل. واليوم، نحلم بسيارة أفضل. ويمكننا أن نعتبر ذلك تقدما، لكنه ليس كذلك. فقط، اسألوا أبناءنا.