اليوم التالي للحرب - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 17 أكتوبر 2025 10:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

اليوم التالي للحرب

نشر فى : الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 7:10 م

أشك فى أن الأطراف التى تفاوضت لوقف القتال فى حرب غزة نجحت فى التعامل مع كل الملفات الشائكة؛ إذ اقتصر الاتفاق المعلن على مرحلة أولى فقط اقتصرت على تبادل الأسرى دون التفاهم على ملف نزع السلاح، وملف حكم القطاع فى اليوم التالى للحرب. وبالرغم من الأجواء العامة الإيجابية لمؤتمر شرم الشيخ الذى تجاوز مرحلة قبول الأطراف بعض التنازلات لوقف الحرب، فإن التحديات تتمثل فى مراحل التنفيذ، وعلى رأسها ملفى الضمانات ومستقبل القطاع. لذلك أفضل النتائج الحالية هى وقف القتال، ومنع التهجير، وأسوأها هى تجدده بعد الإفراج عن الأسرى. من هذه النقاط السابقة نحاول فك شفرة حرب غزة فى بداية عامها الثالث.

أول عناصر هذه الشفرة هى المطالب الحقيقية التى لا نعرف إذا ما تم التباحث بشأنها فى الغرف المغلقة أم لا؟ وأهمها الهوس بمشروع «إسرائيل الكبرى». ويبدو أن هذا الأمر مؤلم جدا بالنسبة للحكومة اليمينية الحالية، بعدما سيطرت بالفعل على 75% من أراضى قطاع غزة، ثم تخلت عن جزء من الأرض فتراجعت سيطرتها إلى 58% تنفيذًا لبنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. فهل تخلت إسرائيل عن أحلام التهجير، والتطهير وإنهاء المسألة الفلسطينية؟ هل تخلى رئيس الوزراء الإسرائيلى عن حلمه الذى أفصح عنه بتحقيق رؤية إسرائيل الكبرى؟ وهل تراجع ترامب عن رؤيته ببناء الريفييرا فى غزة؟ إن هذا فى حد ذاته يعتبر انتصارًا مصريًا خالصًا، فمصر هى الدولة الوحيدة التى أعلنت منذ أول أيام حرب غزة، قبل عامين، أنها تدرك نوايا إسرائيل، وأن التهجير خط أحمر، وأنها لم ولن تسمح به! ما يعنى أن الإرادة المصرية تحققت.

لا أدرى كيف سيبرر نتنياهو هذا الإخفاق لجمهوره من اليمين المتطرف، لكن أغلب الظن أنه سيهرب إلى الأمام ويعيد الاشتباك مع إيران ليمنع سقوط حكومته. لكن التكلفة -هذه المرة- ستكون باهظة. أثبتت جولات الاشتباك السابقة مع إيران، لا سيما جولة يونيو الماضى، أن بأسها شديد، وأثرها فادح على الداخل الإسرائيلى. وإذا لم تتجدد الحرب، فإن حكومة نتنياهو مُهددة بالسقوط، وسيتبع ذلك تداعيات سياسية معقدة على المستوى الداخلى، تشمل كشف حساب عن انكشاف وجه إسرائيل «الحقيقى» أمام العالم، وزيادة عزلتها الدولية، مع استمرار الملاحقات القضائية أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. ولا أحد يستطيع التكهّن بما سيحدث فى حال سقوط حكومة نتنياهو، ولا التكهن بنتائج الانتخابات الإسرائيلية العام المقبل؛ ولكن أغلب الظن أن حظوظ اليمين المتطرف ستتراجع، مع استمرار ميل الناخب الإسرائيلى إلى تيار اليمين بصورةٍ عامة. ولكن.. ماذا بعد؟

• • •

الأمر التالى المسكوت عنه فى مفاوضات وقف إطلاق النار هو مسار حل الدولتين، والذى بمقتضاه تنتهى كل أحلام إسرائيل فى التوسع، ومحو القضية الفلسطينية، ويتجدد معه الواقع المرير الذى تحاول إسرائيل الهروب من استحقاقاته. فلا دولة كبرى، ولا هيمنة بالمنطقة، ولا سيطرة على طرق التجارة العالمية التى تمر بالمنطقة مثل مشروع الهند-أوروبا، ولا تقدم فى ملف السلام الإبراهيمى. وإنما الاعتراف بدولة فلسطين، وإعادة الحقوق لأصحابها، ومن ثم انكماش إسرائيل إلى حجمها الحقيقى، كأى فقاعة كبرت عبر الزمن.

إن مجرد طرح مسألة الدولة الفلسطينية أو الحديث عنها -حتى لو كانت منزوعة السلاح- يعد كابوسًا إسرائيليًا. لكن الواقع، ولا سيما بعد حرب العامين فى غزة، يلاحق إسرائيل والولايات المتحدة معا. فلا استقرار ولا سلام ولا مستقبل من دون دولة فلسطينية. وهذا أحد أكبر إخفاقات نتنياهو الاستراتيجية؛ إذ وصل بالحرب إلى منتهاها دون تحقيق هدفه الأكبر. لكن هل تتوحد الفصائل الفلسطينية تحت قيادة السلطة الفلسطينية لتسقط حجة إسرائيل بعدم وجود شريك للسلام أم يستمر الانقسام الفلسطينى وتضيع هذه الفرصة؟

• • •

ملف آخر مسكوت عنه فى مفاوضات وقف الحرب، وهو دور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. لقد تابعنا التحليلات التى ربطت بين اهتمامه المفاجئ بوقف الحرب، وسعيه للحصول على جائزة نوبل للسلام. علما بأنه لم يحقق أى تقدم فى ملفات السياسة الخارجية الأمريكية، وأخفق حتى الآن فى تحقيق أيا من وعوده الانتخابية بإحلال السلام. فحرب أوكرانيا مستمرة، والروس قرروا حسمها فى الميدان. كما يستمر التوتر فى ملف تايوان مع استمرار احتدام العلاقات مع والصين. ولم يتغير الموقف مع إيران فى ظل مؤشرات ترجح احتمال تجدد المواجهات معها. كما أن الحديث عن نجاح لترامب فى ملف السلام بالشرق الأوسط هو محض ادعاء؛ فأين هذا النجاح من الرؤية التى أعلنها بزهو فى أول مؤتمر صحفى جمعه بنتنياهو فى فبراير الماضى، حين تحدث عن نقل سكان غزة إلى خارجها، وتوسيع حدود إسرائيل التى اعتبرها صغيرة، وسعيه للاستيلاء على مساحة من أراضى الأردن ومصر لتوسيع مساحة إسرائيل، وقد أعلن ذلك بكل صفاقة فى حضور الملك عبدالله الثانى فى البيت الأبيض! فهل يعد تراجعه عن كل هذا وقبوله بإعادة إعمار غزة لأهلها نجاحًا؟ فما هو الفشل إذن؟

• • •

لقد وصلنا إلى النقطة التى تأكدنا فيها أن اليوم التالى للحرب لا يُصنَع فى تل أبيب ولا فى واشنطن، وإنما أدى إخفاقهما فى التهجير والتطهير والإبادة إلى فتح طريق آخر لم يكن فى الحسبان. كما أدى استهداف قطر، وفشل إسرائيل فى اغتيال قيادات حماس فى الدوحة، إلى تراجع مصداقية الولايات المتحدة والوساطة القطرية معًا.

ومن هذا المنطلق جاءت محادثات شرم الشيخ، التى حضرتها القيادات الفلسطينية نفسها التى تعرضت لمحاولة الاغتيال فى الدوحة، وأصبحت على بعد خطوات من إسرائيل؛ فلماذا لم تجرؤ على استهدافهم فى شرم الشيخ؟

هنا ظهرت الحقيقة بوضوح: فلا وساطة، ولا حل، ولا إرادة فى المنطقة دون مصر. لذلك فإن صناعة اليومِ التالى للحرب لن تأتى إلا من القاهرة، أو بتفاهمات معها. وتأتى زيارة ترامب إلى مصر، وحضوره مراسم التوقيع فى شرم الشيخ، لتُعلن أننا بدأنا للتو اليوم التالى للحرب بإرادة مصرية.

وبالرغم من الشك فى ألاعيب نتنياهو للتحايل وإفشال المراحل التالية من المفاوضات، فإن الهدف المصرى فى منع التهجير لن يتغير. وحتى لو تجددت الحرب بعد تبادل الأسرى، فإن إسرائيل لن تحصد منها إلا مزيدًا من العزلة والخسائر، كما سيحصد ترامب مزيدًا من الضرر لسمعته بعدما وضعها على المحك كضامن للاتفاق.

الشاهد أن الموقف المصرى حاسم فى تنفيذ الاتفاق، وسيُترجم على الأرض بدخول عناصر الأمن الفلسطينية التى دربتها مصر طوال الأشهر الماضية إلى داخل القطاع، والتى ستعمل على فرض الأمن وعودة الحياة الطبيعية تدريجيًا. وبينما تنشغل حكومة نتنياهو بالبقاء المؤقت فى السلطة، ستنشغل مصر بالدفع بحل الدولتين، وأيضًا بملف إعادة إعمار غزة. هذا، وهناك ملف آخر تديره مصر بهدوء، وهو عودة السلطة إلى القطاع، الذى لا بد أن يسير ببطء محسوب وحذر شديد.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات