الحرب الهجينة لا تعرف معاهدات السلام - محمد بصل - بوابة الشروق
الجمعة 20 يونيو 2025 1:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

الحرب الهجينة لا تعرف معاهدات السلام

نشر فى : الخميس 19 يونيو 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الخميس 19 يونيو 2025 - 9:10 م

الحرب عند البعض لا تكون حربًا إلّا بالتحام الجيوش والعمليات البرية والغزو. رؤية قاصرة للصراع الذى بدأه العدوان الإسرائيلى على إيران، تروّج إلى أنها مجرد مناوشات لا تتعدى «فرقعة بمب» بينما ترجح المستجدات أنها حرب حاسمة ستمتد آثارها الإقليمية لعقود.

يتصارع الطرفان وبينهما نحو ألفى كيلومتر من السماوات العربية المستباحة للطيران الإسرائيلى و«الباليستى» الإيرانى، لكن هذا جانب واحد فقط من أول حرب هجينة فى تاريخ المنطقة.

تعرّف الأدبيات العسكرية الحديثة الحرب الهجينة بأنها نتاج دمج وتكامل الأسلحة التقليدية وغير التقليدية مع أدوات التخريب المزروعة فى قلب العدو، وتكفل الزمن والتقدم التكنولوجى بتعدد تلك الأدوات إلى حد مذهل.

فمنذ عشرين عاما وفى أعقاب الغزو الأمريكى لأفغانستان والعراق كان التصور السائد أنها هجينة بين الحروب التقليدية والنفسية والمعلوماتية، ثم مع غزو الروسى للقرم توسعت عملية الدمج لتشمل العملاء المحليين فى شكل ميليشيات أو قوى سياسية، والتخريب الاقتصادى، والتضليل الإعلامى الكثيف باستخدام حسابات التواصل الاجتماعى لخلق حالة من عدم اليقين والاضطراب العام.

وخلال السنوات السبع الأخيرة ازدهرت صناعة المسيرات لأغراض الاستطلاع ثم الهجوم، وبالتوازى تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعى واستخدام الخوارزميات فى عمليات التتبع والمراقبة.

وبدمج العنصرين الجديدين أصبحنا أمام جيل جديد، ربما ثالث، من الحروب الهجينة. ظهرت مقدماته فى حروب جائحة كورونا: ناجورنوكاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، والمعارك الأهلية فى إثيوبيا، ثم الغزو الروسى لأوكرانيا وارتداداته التى مازالت مستمرة حتى الآن وكان أخطرها عملية «شبكة العنكبوت» التى نُفذت مؤخرًا بالمسيرات المنقولة إلى قلب روسيا على طريقة «حصان طروادة».

غير أن الانكشاف الإيرانى الكبير الذى يعكس اختراقًا غير مسبوق وسيطرة عملياتية إسرائيلية آلت إلى تحكم جوى شبه كامل، يمثل امتدادًا منطقيًا لدمج العمليات الاستخباراتية مع الآلة التدميرية فى غزة، باستخدام أدوات ذكاء اصطناعى متقدمة مثل هَبسورا ولاڤندر وجوسبل لخلق قاعدة بيانات ضخمة مليئة بالأهداف المحتملة من مستويات مختلفة بواسطة تحليل تصرفات واتصالات ومحادثات آلاف الأشخاص، وتمكن متخذ القرار الحربى من الاختيار فى الوقت الذى يرتئيه (راجع ما نشرته واشنطن بوست وجارديان فى أبريل 2024).

ولا يمكن فصل تلك العمليات عما جاء فى كتاب «فريق الآلة البشرية» ليوسى سارييل قائد الوحدة 8200 بجيش الاحتلال، والذى تضمن أمثلة على تتبع عناصر حزب الله وحماس من خلال مجموعات الدردشة وأجهزة الاتصال واعتراض المكالمات والتصوير عن بعد بواسطة المسيرات، وتوليد نماذج توقعية لتحركاتهم، بل وفك شفراتهم الشفهية! وهذا يختلف أيضا عن الطريقة المدمجة التى نُفذت بها عملية معقدة مثل «البيجر» فى لبنان.

أى إن الثغرة الإيرانية الهائلة تعود لدمج بعض هذه الأدوات أو كلها: اختراق معلوماتى - استخدام تطبيقات ذكاء اصطناعى لفترة متوسطة على شاكلة ما حدث فى غزة - نقل للمعلومات من المخابرات الأمريكية وأجهزة أخرى إلى الموساد على مدار سنوات استعدادًا للحظة الانقضاض - تجسس بشرى تقليدى وهذا من السهل اصطياده - أعمال تسلل وتخريب من دول مجاورة كتهريب المسيرات داخل الشاحنات.

تمتاز الحرب الهجينة عن مكوّناتها منفردةً وعن حروب الماضى، بأنها عملية مستمرة وتراكمية ولا تؤتى أُكُلها إلا بعد صبر استراتيجى. لا تبدأ بصافرة إنذار، ولا تنتظر احتكاكا عنيفا، ولا تعتد بالهُدَن ولا بمعاهدات السلام. أى أنها رافدٌ سياسى، تتلاشى على ضفتيه الحدود بين الصداقة والعداء.

الأكيد أن النظام الإيرانى - بكل ما يملكه من إمكانات مالية وتكنولوچية مكرّسة للأمن - فشل فى التعامل مع أدوات الحرب المدمجة، وأن فرض قيود اجتماعية وإعلامية لسنوات فى إيران وروسيا لم يمنع تسلل «أحصنة طروادة». فهل كانت المهام مسندة إلى الثقات دون الكفاءات؟ أم أنها الفوارق الناشئة عن ضخامة الاستثمار الصهيو-أمريكى؟

والأهم.. هل نحن مستعدون؟! ففى عالم البيانات الضخمة Big Data يصعب تحديد ما إذا كان موقعك الآن مرصودًا لمصلحة مطعمك المفضل أو متجر ملابس يعانى الكساد، أو الموساد!

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات