نشط الحديث فى الآونة الأخيرة عن ضعف وهشاشة الحياة الحزبية، رغم وجود أكثر من 100 حزب جرى تشكيل غالبيتها عقب ثورة 25 يناير، فى ظل السيولة، بل والسهولة، فى تكوين عدد كبير من الكيانات السياسية التى خرجت للنور من دون أى أسس موضوعية لظهورها، وكأن ماكينة ما كانت تستنسخها، وهو ما شوش على الأحزاب التى تعبر عن التوجهات الرئيسة للقوى السياسية المتجذرة فى المجتمع المصرى.
اليوم يجرى الكلام وبكثافة عن ضرورة دمج الأحزاب، وتشكيل حزب قوى يعبر عن الأغلبية، وآخر يمثل المعارضة، وهى الدعوة التى وجهها صراحة الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، من تحت قبة البرلمان قبل أيام، فى إطار البحث على ما يبدو عن ظهير سياسى للحكومة، و«تسهيل آليات إصدار القوانين عقب مناقشات منظمة تعبر عن التوجهات الأساسية لسير النقاش وسط النواب، وتسرع من ايقاع خروج التشريعات إلى النور».
دعوة الدكتور عبدالعال تلقفها عدد من النواب، الذين خرجت عنهم تصريحات فى وسائل الإعلام عن أهمية دمج الأحزاب، والوصول بعددها الكبير إلى حده الأدنى، ودعا البعض بخفضها إلى 50 حزبا فى المرحلة الأولى، وهناك من كان أكثر تفاؤلا وطالب بالنزول بعدد الأحزاب إلى خمسة على الأكثر.
وفى خضم هذا الحماس، جرى الحديث عن التوجه لاجراء تعديلات على قانون مجلس النواب بحيث يزيل العقبات القانونية التى تحول دون تغيير النواب لصفتهم الحزبية، وأن يرفع سيف إسقاط العضوية عن الرقاب الراغبة فى تغيير صفتها الحزبية، وبما يفتح المجال أمام النواب المنضوين تحت مظلة ائتلافات كبيرة، للانضمام لأى من الكيانات الحزبية الجديدة التى ستكون ظهيرا للحكومة أو معارضة لها داخل البرلمان.
ائتلاف دعم مصر الذى يمثل الأغلبية النيابية تحت قبة البرلمان، عقد العديد من الاجتماعات، قبل دعوة الدكتور عبدالعال لتشكيل حزبين قويين، وتحدث ممثلو الائتلاف عن ضرورة تكوين حزب جديد، كما شكل الائتلاف لجنة لمناقشة الجوانب القانونية التى تساعد على خروج هذا الكيان إلى النور، فيما يجرى الحديث داخل حزب الوفد عن الاندماج بين الأحزاب، وإن أكدت قياداته أن الأحزاب تسعى للاندماج فى الوفد وليس العكس.
الرغبة فى اندماج الأحزاب والقوى السياسية ذات التوجهات المتقاربة، ربما تكون أحزاب التيار الديمقراطى أول من سعى إلى تحقيقها، وهناك محاولات جرت على الطريق فى هذا الاتجاه، غير أن الواقع لا يزال بعيدا حتى الآن عن خروج كيانات حزبية قوية إلى الساحة، خاصة فى ظل استمرار قواعد اللعبة التى كانت، فى جوانب منها، سببا فى ركود الحياة الحزبية، ودفعت بالبعض إلى الحديث عن موات السياسة، بما يمثله الأمر من خطورة على العمل العام.
الحديث عن دمج الأحزاب ربما وجد دفعة جديدة بعد دعوة الرئيس السيسى فى مؤتمر الشباب الخامس، الذى عقد الأربعاء الماضى، للأحزاب بالتعاون فيما بينها، ولتشكيلها لجنة تتواصل مع السلطة التنفيذية، فى ظل تأكيد عدد ممن حضروا اللقاء على وجود نية حقيقة لتحريك المياه الراكدة فى بحيرة الحياة الحزبية.
طبعا الدعوة لاندماج الأحزاب وتشكيل أحزاب قوية، يحتاج إلى اختبار عملى لمدى جدية التوجهات لتحقيق مثل هذه الخطوة، وهل ستشمل الجميع، أم ستقتصر على أحزاب بعينها؟، حتى لا يتحول الأمر إلى غطاء لتشكيل حزب الحكومة، وحزب «شبه معارضة».
مصر تحتاج، وتستحق فعلا لا قولا، حياة حزبية قوية تقيها شر الانزلاق فى موارد غير حميدة، وتمحو الصورة الذهنية الباقية منذ تأسيس أول مجلس نيابى فى تاريخها عام 1866، عندما طلب رئيس البرلمان من النواب أن يجلس جزء منهم إلى يمين المنصة التى يعتليها، ليشكلوا مجموعة مؤيدة للحكومة، على أن تجلس مجموعة أخرى إلى اليسار لتمثيل المعارضة، وفقا للتقاليد البرلمانية، فجلس الجميع إلى اليمين، لأنه «كيف لنا أن نعارض الحكومة؟!»، كما صاح بعضهم.