يوم وراء الآخر تتضخم كرة اللهب التى تجمعت نيرانها عقب تفجير أجهزة «البيجر» و«الووكى توكى» التى كان يستخدمها حزب الله اللبنانى، ما أدى إلى مقتل عشرات من عناصره وإصابة آلاف اللبنانيين، ما طرح سؤالًا استفهاميًا كبيرًا عن مدى الاختراق الإسرائيلى للحزب، الذى باتت قياداته فى مرمى نيران عدوه، وهى داخل مخابئها فى الضاحية الجنوبية لبيروت.
ما جرى يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين من تفجيرات واسعة طالت عناصر حزب الله وقواه الأمنية، فتح أيضًا بابًا لعشرات التساؤلات عن رحلة وصول أجهزة الاتصالات قديمة الطراز، إلى أيادى وأجساد هؤلاء قبل أن يتم تفجيرها إلكترونيًا بالطريقة التى جرت.
تنقلت الاتهامات بين العديد من الدول فى آسيا وأوروبا، وراح جميع من طالته تلك الاتهامات يتنصل من المسئولية عن صنع أو توريد «المفخخات» التى أطلق عليها البعض «حصان طروادة» الإلكترونى الذى أحدث نقلة فى الحروب السيبرانية، وربط العالم الافتراضى بالواقع الميدانى.
الاتهام الأول كان لشركة «جولد أبوللو»، ومقرها تايوان، باعتبارها المورد للأجهزة المفخخة، لكنها ألقت بالمسئولية على شركة مجرية تحمل ترخيص استخدام علامتها التجارية، ما دفع المجر إلى إجراء تحقيقات فى القضية. غير أن الاتهام وجه أيضًا إلى شركاء للشركة التايوانية فى بلغاريا والنرويج ورومانيا، ما دفع أيضًا تلك الدول لإجراء تحقيقات لمعرفة مناشئ تلك الأجهزة القاتلة.
لم تستبعد الاتهامات شركة آيكوم اليابانية، لكنها سرعان ما ألقت بالمسئولية على سوق المنتجات المقلدة، ورجحت فى بيان ألا تكون الأجهزة اللاسلكية التى انفجرت فى لبنان من منتجاتها، وقالت إن فحص الأجهزة التى انفجرت سيكون ضروريًا للتأكد من أنها ليست من إنتاجها، لكن فى ضوء المعلومات المتعددة التى تم الكشف عنها، فإن الاحتمالات ضئيلة للغاية فى أن تكون تلك الأجهزة من إنتاجنا، وفق بيانها.
المفخخات اللاسلكية، التى سارعت الشركات إلى التنصل منها، عكست، وفقًا لتقرير أجرته وكالة رويترز، مدى الترابط والتعقيد فيما يعرف بـ«سلاسل التوريد» لبيع وتوزيع هذه الأجهزة التى استوردها حزب الله قبل خمسة أشهر على الأقل من واقعة تفجيرها فى أجساد عناصره.
وقال خبير فى مجال التكنولوجيا يقيم فى الصين إن المنتجات المقلدة منتشرة بشكل كبير وخاصة فى مراكز التصنيع الكبرى مثل الصين، حيث يمكن إنتاج مكونات مقلدة بسهولة، مضيفًا: إن الانتقال من المكونات المقلدة إلى اختراق سلاسل التوريد سهل، كما أن وضع متفجرات بكميات قليلة فى أجهزة اتصالات لا سلكية ليس صعبًا.
لكن هل اخترقت إسرائيل سلاسل التوريد، أم كانت هى نفسها المصنع المباشر لتلك المفخخات لكن تحت غطاء شركة وهمية؟ السؤال مثار جدل حاليًا، والمؤكد أن التفجيرات التى استهدفت عناصر حزب الله، فجرت بدورها حواس العديد من بؤر الرصد والمتابعة فى أجهزة الاستخبارات الدولية، بعد أن زرعت صفقة البيجر بذور الشك فى التعامل مع شركات بيع الأجهزة التى تستخدم لأغراض أمنية، بل دائرة الشك ربما تمتد إلى الحكومات المختلفة فى سوق السلاح.
ووفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست أخيرًا، فإن الهجوم الذى وقع فى لبنان، أثار قلق العديد من الحكومات بما فى ذلك الولايات المتحدة حيث أصبحت سلاسل التوريد العالمية للأجهزة الإلكترونية أكثر تعقيدًا. وقالت الصحيفة، إن ما حصل قد يضيف زخمًا للجهود الأمريكية التى تبذلها واشنطن، لتوطين إنتاج المزيد من التقنيات الاستراتيجية فى الداخل أو من خلال حلفاء موثوقين.
الهجوم السيبرانى الذى تعرض له حزب الله ذكرنى بحوار معمق دار بين أحد مسئولى حلف الناتو وعدد من الصحفيين والدبلوماسيين والأكاديميين المصريين فى بروكسل، حول نوايا الحلف فى القرن الواحد والعشرين، وقتها استغربت إسهاب هذا المسئول فى الحديث عن الحروب الإلكترونية، وكيف يمكن خوض الحرب بلا جنود، لكن اليوم أصبحت أكثر استيعابًا لما طرحه الرجل خلال تلك الجلسة التى جرت فى مقر الحلف قبل سبع سنوات.