خريطة السياسة المصرية بعد ثورة 1919! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خريطة السياسة المصرية بعد ثورة 1919!

نشر فى : السبت 24 أبريل 2021 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 24 أبريل 2021 - 7:25 م

على مدار ثلاث سنوات منذ قيام ثورة 1919 وحتى عام 1922، ورغم الصلابة الشعبية والسياسية والتى أجبرت لجنة ملنر على العودة إلى بريطانيا بعد ثلاثة أشهر فقط من بدء مهمتها فى مصر، حتى إن اللورد ملنر نفسه قد أوصى الحكومة البريطانية بضرورة رفع الحماية عن مصر؛ لأن المصريين لن يقبلوا بغير ذلك، إلا أن هذه الصلابة الشعبية والسياسية لم تؤد كما كان متوقعا إلى مزيد من التماسك السياسى، ولكنها أدت إلى سياسة الفرقة والانقسام وخصوصا داخل الجماعة الأبرز فى البلاد فى هذا الوقت، ألا وهى جماعة الوفد!
كان عدلى يكن يميل دائما إلى اللين فى التفاوض مع الإنجليز وكثيرا ما أقنع سعد زغلول بالتفاوض مع لجنة ملنر وإبداء بعض المرونة، صحيح أن عدلى أصر فى النهاية على إلغاء الحماية البريطانية على مصر، إلا أنه رأى أن الطريق نحو إلغاء الحماية يكون عن طريق المرونة مع الإنجليز، ورغم أن سعد قد وثق فى البداية فى عدلى حتى إنه حينما عُهد إلى الأخير بتشكيل الحكومة فقد أطلق عليها سعد اسم «حكومة الثقة» وأخذ فى تأييدها، إلا أنه وبمرور الوقت أخذت الخلافات تتزايد بين سعد ويكن وهو الانقسام الذى لم يؤثر فقط على وحدة الوفد ولكنه طال كل المصريين، فيذكر المؤرخون أن البلاد انقسمت فى ذلك الوقت إلى سعديين وعدليين، فى إشارة إلى الانقسام بين أنصار سعد وأنصار عدلى يكن.
تزايد الصراع بين الاثنين خصوصا حينما أصر يكن على قيادة المفاوضات مع الإنجليز بصفته رئيس الحكومة، بينما أصر سعد أن رئاسة الوفد من حقه، وهكذا تصاعد الخلاف بين الاثنين، حتى إن سعد زغلول هدد بسحب الثقة من حكومة عدلى يكن ووصفه بأنه «بردعة الإنجليز» بل نُسب إلى سعد قوله بأنه حينما يتفاوض عدلى مع الإنجليز فإن الملك جورج الخامس يفاوض الملك جورج الخامس! بل وذهب أنصار سعد إلى القول إن الاحتلال مع سعد أفضل من الاستقلال مع عدلي! ورغم ذلك كان عدلى يكن يرى أن التهديد بسحب الثقة منه لن ينجح لأن أغلبية الوفد فى صفه وأصبح بالفعل يتفاوض مع الإنجليز بعيدا عن سعد ورفاقه وقد ساعده فى ذلك قيام الإنجليز بنفى سعد إلى سيشيل ثم إلى جبل طارق بعد تدهور حالته الصحية!
***
بعد جولات من المفاوضات بين عدلى وبريطانيا أعلنت الأخيرة تصريحها الشهير فى 28 فبراير 1922 والذى نص على:
1ــ إنهاء الحماية البريطانية على مصر وأن تكون الأخيرة دولة مستقلة ذات سيادة.
2ــ إلغاء الأحكام العرفية التى فرضت على مصر فى 1914.
3ــ حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائى بين سلطان مصر وملك بريطانيا، تحتفظ حكومة الأخيرة بتأمين مواصلاتها فى مصر، والدفاع عن مصر ضد أى اعتداء أو تدخل أجنبى فى شئونها، وحماية المصالح الأجنبية فى مصر، بالإضافة إلى إدارة ملف السودان!
وهكذا ورغم أن التصريح يبدو فى ظاهره انتصارا للقضية المصرية، إلا أنه على أرض الواقع لم يغير كثيرا من واقع الحماية البريطانية، فقد ظلت الأخيرة هى الآمر والناهى فى كل شئون مصر الداخلية والخارجية، فما كان من الشعب إلا مواصلة كفاحه من أجل الاستقلال وعدم الثقة فى جماعة المعتدلين بقيادة عدلى، حتى إن الأخيرة سقطت سقوطا مدويا فى الانتخابات البرلمانية التى تلت تصريح 28 فبراير فلم يحصل عدلى ورفاقه سوى على 6 مقاعد فقط من أصل 214 مقعدا!
ورغم هذا الاستقلال الاسمى إلا أن عددا من المؤرخين المصريين وفى مقدمتهم عمر عبدالعزيز يرى أن التصريح فى النهاية شكل مكافأة متواضعة لكفاح الشعب المصرى عبر ثلاث سنوات للحصول على الاستقلال حتى ولو كان اسميا! ورغم ذلك فلا يمكن إنكار نتائجه السلبية على المشهد السياسى المصرى، فالتصريح أدى فى النهاية إلى انقسام الوفد وظهور حزب جديد وهو حزب الأحرار الدستوريين، ورغم اعتماد دستور جديد للبلاد فى 1923 إلا أن هذا الدستور قد أدى إلى إعادة دور القصر الملكى فى مصر إلى الواجهة وهو ما أدى إلى تشتيت جهود الوطنية المصرية بين القصر والإنجليز، وفى الأخير فإنه ورغم كل هذه الضربات فقد أصبح الوفد الحزب السياسى المسيطر والمهيمن والمشكل للخريطة السياسية المصرية منذ ذلك الحين وحتى انتهاء العصر الملكى فى 1952.
***
بعد اعتماد دستور 1923، بدأت خارطة الأحزاب السياسية فى التغير تدريجيا، فقد ظهر على الساحة حزب الأحرار الدستوريين والذى اعتمد على برنامج مكون من 18 نقطة أهمها العمل على التمسك باستقلال مصر وإنهاء الاحتلال البريطانى وحصول مصر على اعتراف دولى باستقلالها من خلال عضويتها فى عصبة الأمم، كما تمسك الحزب بعدم فصل السودان عن مصر، وأكد على التوسع فى المجالس النيابية على المستوى المحلى ومحاربة الأمية وإعادة توزيع الدخل من خلال إصلاح النظام الضريبى وتشجيع الصناعة المصرية... إلخ. ورغم هذا البرنامج الطموح إلا أنه لم يحصل على الشعبية المتوقعة بسبب ظهوره أمام الشعب باعتباره حزبا متهاونا فى الحق المصرى أمام الإنجليز!
ومن ناحية أخرى، أخذ الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل فى الضعف والاختفاء تدريجيا من الحياة السياسية المصرية، فقد وهن الحزب بعد التنكيل بقيادته بين السجن والنفى والموت، بالإضافة إلى أن عددا آخر من قياداته قد ترك الحزب وانضم للوفد، وأصبح وجود الحزب بعد ذلك مجرد وجودا اسميا.
كذلك فقد ظهر على الساحة المصرية حزب آخر وهو الحزب الاشتراكى، الذى تأثر بأفكار حركة العمال العالمية، وحاول نشر الأفكار الاشتراكية فى مصر، فدعا إلى تنمية العمال ماديا وأدبيا وإلى إنشاء نظام ديموقراطى اشتراكى يواجه الرأسمالية ويعيد توزيع الثروات بشكل عادل فى البلاد، إلا أن الحزب الاشتراكى أيضا بدأ تدريجيا يفقد قياداته المصرية التى انشغلت بقضية الاستقلال وانضمت إلى الوفد أو الحزب الوطنى، فسيطر على الحزب القيادات العمالية من الجالية الأجنبية وتحديدا فى الإسكندرية من الروس واليونانيين وكان معظمهم من اليهود المؤمنين بالحركة الشيوعية. إلا أن الحزب سريعا ما انهار حيث هاجمه بعض المثقفين المصريين تحت دعوى أن التحرر السياسى يجب أن يكون له أولوية عن التحرر الاجتماعى، كذلك فقد نُظر أحيانا إلى الحزب باعتباره حزب الأجانب، وفى النهاية انهار الحزب نفسه بعد اشتعال الصراع بين قياداته!
ثم أخيرا قرر فؤاد والذى نصب نفسه ملكا على مصر أن يعيد القصر إلى واجهة الحياة السياسية المصرية وكان قد تراجع دوره أثناء الحرب العالمية الأولى ثم ضعف نفوذه تماما بعد ثورة 1919، فقام الملك فؤاد بإنشاء حزب «الاتحاد» وضم إليه طبقة الأثرياء والأعيان الوصوليين، ثم خصص للحزب اعتمادات مالية طائلة وذلك للتحكم فى البرلمان والسيطرة على عملية التشريع، وقد نجح الحزب بمساعدة الإنجليز فى إثارة النزاعات بين الوفد والأحرار الدستوريين مشتتا من جهود العمل الوطنى المصرى، إلا أن الحزب سريعا ما تراجعت شعبيته وفشل فى السيطرة على البرلمان فى الانتخابات التالية، وظل واحدا من أضعف الأحزاب المصرية فى هذه الحقبة العصيبة من تاريخ مصر!

أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية ــ بجامعة دنفر

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر