انتخابات ساخنة.. مشاركة مرتفعة.. تحالفات مثيرة - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتخابات ساخنة.. مشاركة مرتفعة.. تحالفات مثيرة

نشر فى : الأحد 25 أكتوبر 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأحد 25 أكتوبر 2015 - 9:15 ص

حينما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، الأسبوع القادم، فإن العالم سيتابع كيف ستكون نتائج انتخابات البرلمان الذى سيحدد مصير الحكم فى الدولة التى اقترب تعداد سكانها من الثمانين مليونا، وشهدت انتخاباتها الصيف الماضى نتائج غير متوقعة، منعت أى حزب من الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة أو لتعديل الدستور، وأجبرت الجميع على التفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية! فشل التفاوض ودعا رئيس الدولة إلى انتخابات ثانية، لعل وعسى أن يتمكن حزبه من تحقيق الأغلبية المطلوبة، فماذا سيحدث فى رابع انتخابات ستشهدها الدولة خلال ثمانية عشر شهرا؟ قطعا السؤال يخص الانتخابات التركية وهل تعتقد أنى أتحدث عن انتخابات غيرها؟!

كانت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية يونيو الماضى مبهرة ومثيرة، فحزب العدالة والتنمية الذى حكم البلاد منفردا لزهاء ثلاثة عشر عاما، خسر الأغلبية المطلقة وإن ظل فى المقدمة، بينما حصد حزب الشعوب الديمقراطى «ممثل الأكراد والأقليات» للمرة الأولى على ١٣٪، فيما تقاسم باقى المقاعد حزبا الشعب الجمهورى «العلمانى - الأتاتوركى» الذى جاء ثانيا وحزب الحركة القومية «يمينى قومى» الذى حصل على المركز الثالث فى ظل نسبة مشاركة بلغت ٨٦٪ وهى الأعلى أوروبيا وضمن الأفضل عالميا.

كثرت التوقعات حول شكل الحكومة ورئيسها الجديد الذى سيتغلب على أردوغان «الذى تحول للرئاسة فى السنة التى قبلها بتأييد ٥٢٪ من الأصوات»، وهل ستكون حكومة ائتلافية بين الحزبين المتضادين دوما «العدالة والتنمية مع الشعب الجمهورى»، أم بين العدالة والتنمية وأحد الحزبين الصغيرين الآخرين «الشعب الجمهورى أو الحركة القومية»، أو تحدث المفاجأة وتشكل الأحزاب الثلاث تحالفا ضد العدالة والتنمية وتشكل حكومة أقلية؟ انتهت الفترة الدستورية لتشكيل الحكومة بلا اتفاق، ليعلن أردوغان «فى الواقع أعلن قبل انتهاء الفترة» الذهاب ثانية إلى صناديق الاقتراع فى الأول من نوفمبر، أملا فى تغيير يصب لصالح حزبه، بحيث يتمكن من تشكيل الحكومة منفردا، كيف يتوقع المراقبون النتائج إذن؟

•••

قبل الحديث عن النتائج المتوقعة، من المهم أن نشير إلى أربعة عوامل جديدة، دخلت فى المعادلة السياسية بين يونيو الفائت «حيث جرت الانتخابات البرلمانية الأولى» وبين نوفمبر «حيث ستجرى الانتخابات ثانية».

أولا: زادت التهديدات الأمنية على تركيا جراء تفاقم الأوضاع فى سوريا مع تزايد أعداد اللاجئين المتدفقين على أراضيها فى ظل تدخل روسى عسكرى فى المنطقة يثير القلق التركى بالتوازى مع عدم استقرار أوضاع الأكراد، مع تهديد الداخل التركى بعد أسوأ حادث إرهابى يضرب تركيا الحديثة، إزاء تفجيرات أنقرة أكتوبر الحالى، وهو عامل يرى المراقبون، أنه قد يعمل لصالح أردوغان وحزب العدالة والتنمية فى الانتخابات المنتظرة.

ثانيا: غير أردوغان من طريقة إدارته للمشهد السياسى، بعد أن تعرض لانتقادات داخلية من حزبه، بسبب سيطرته على الحملة الانتخابية للحزب فى انتخابات يونيو الماضى، فقد مضى فى حديثه عن أهمية فوز الحزب فى الانتخابات القادمة منفردا فى أحاديثه العامة، ولكنه ابتعد عن الحملة فى ظل حديث متصاعد عن مفاوضات على مستويات رفيعة تجرى بين مسئولين من العدالة والتنمية والشعب الجمهورى، لبحث إمكانية تشكيل ائتلاف حكومى حال جاءت نتائج الانتخابات الجديدة مشابهة للقديمة.

ثالثا: غازل الاتحاد الأوروبى أردوغان وتركيا مجددا ولكن هذه المرة عن طريق المستشارة الألمانية ميركل، التى زارت تركيا أخيرا وأطلقت تصريحات إيجابية بخصوص الاستعداد لقبول عضوية تركيا فى الاتحاد الأوروبى بالتوازى مع الحديث عن حزمة مساعدات اقتصادية لتركيا، والسماح بتحرك المواطنين الأتراك بين دول الاتحاد الأوروبى بدون الحصول على تأشيرة دخول والبحث عن خطة لإعادة توزيع اللاجئين ستكون تركيا فيها على ما يبدو لاعبا رئيسيا.
هذه المغازلة الأخيرة قد تدعم موقف أردوغان وحزبه فى الانتخابات المنتظرة.

رابعا: زاد الانقسام الداخلى بخصوص الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى تركيا، وهو ما يعد التهديد الأبرز لأردوغان وحزبه فى الانتخابات القادمة. فقد أعلن أخيرا مركز PEW البحثى الأمريكى، عن أحدث استطلاعاته فى الداخل التركى، وفقا لاستبيان جرى الربيع الماضى ويوضح حجم الاستقطابات التى تضرب تركيا، منها على سبيل المثال، أن نسبة الرضاء عن الديمقراطية التركية قد انخفضت إلى ٤٩٪ «الرضاء كان مرتفعا بين أنصار العدالة والتنمية وقد وصل إلى ٨٤٪، بينما توقف عند ٣٢٪ فقط عن أنصار الشعب الجمهورى»، بينما أظهر الاستطلاع أن نسبة الرضاء هذه قد تناسبت طرديا بين المسلمين بحسب درجة التدين، فهى ٧٢٪ بين من يصلى خمس مرات فى اليوم، تنخفض إلى ٦١٪ بين من يصلى يوميا أقل من خمس مرات، لتصل إلى ٣٤٪ فقط بين من لا ينتظم فى أداء الصلوات، كما أن نسبة الرضاء هذه تناسبت عكسيا مع مستوى التعليم، فالأكثر تعليما كانوا أقل رضاء عن الديمقراطية «٣٧٪ فقط من الحاصلين على شهادة أعلى من الإعدادية كانوا راضين عن الديمقراطية فى تركيا»، كما أنها تناسبت طرديا مع العمر، فالأجيال الأكبر أظهرت رضاء مرتفعا «٦٣٪ ممن ارتفعت أعمارهم عن الخمسين عاما كانوا راضين فى مقابل ٤٢٪ فقط للفئة السنية بين ١٩ و٢٩».

•••

هل تختلف النتائج إذن؟ يتوقع معظم المهتمين بالشأن التركى أن النتائج لن تختلف كثيرا رغم إقرارهم بأن بعض العوامل قد تغيرت بالفعل لصالح العدالة والتنمية، إلا أن استطلاعين للرأى أظهرت نتائجهما الأسبوع الماضى أن النسب التى سيحصل عليها العدالة والتنمية تتراوح بين ٤٠ و٤١٪، فى إشارة واضحة أن النتائج ستكون متشابهة مع نتائج انتخابات يونيو، فهل نشهد ائتلافا حكوميا أم نذهب لانتخابات ثالثة؟

هناك أربعة سيناريوهات متوقعة، الأول أن يتحالف العدالة والتنمية مع الشعب الجمهورى فى ائتلاف نادر ومثير بين خصمين لدودين، أما الثانى فهو أن يتحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية اليمينى، فيما يأتى السيناريو الثالث أن يلجأ العدالة والتنمية إلى تشكيل حكومة أقلية بتفاهمات جزئية مع الشعب الجمهورى والحركة القومية، بحيث يحصل منهما على أصوات داعمة بحسب طبيعة التشريع، وأخيرا يأتى السيناريو الرابع فى أن يلجأ أردوغان إلى انتخابات للمرة الثالثة.

ترتفع حظوظ السيناريو الأول، رغم الاشتباكات الكثيرة بين الحزبين الكبيرين وخصوصا على خلفية اتهام أردوغان وكبار قادة فى حزبه فى قضايا فساد متنوعة حفظها القضاء، لكن يهدد الشعب الجمهورى بإعادة فتحها من حين إلى آخر، بينما تقل فرصة السيناريو الثانى «وإن ظل فى الحسبان» بسبب موقف الحركة القومية الرافض للانضمام للاتحاد الأوروبى، بعكس حلم أردوغان فى العضوية الأوروبية، بينما تقل كثيرا احتمالات السيناريوهين الثالث والرابع، خاصة أن الأخير لا يملك ترفه أى فاعل سياسى تركى!

يحلم أردوغان بأن يحل عليه العام ٢٠٢٣ «الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية» وقد احتلت مكانة أتاتورك فى قلوب الأتراك وفى مخيلة العالم، يحلم أن يحل عليه هذا العام وقد عدل الدستور لتصبح تركيا دولة رئاسية هو قائدها، وقد حصلت على عضوية الاتحاد الأوروبى، لتصبح أول دولة مسلمة فى قلب أوروبا المسيحية، يحلم أردوغان بتأسيس ثانى للجمهورية التركية وقد تصالحت عثمانيتها مع هويتها الإسلامية، يعلم أن الطريق طويل، وفى مقدمة هذا الطريق إعادة الديمقراطية المتدهورة فى تركيا خلال عهده إلى سابق عهدها، والتغلب على المشكلات الاقتصادية والأمنية والمجتمعية، وإعادة السيطرة على الوضع الإقليمى المتدهور وحل أزمة اللاجئين، واستعادة ثقة الناخب التركى والذى أظهرت الاستطلاعات الحديثة، أنه يثق فى المؤسسة العسكرية بنسبة ٥٢٪ فيما يثق فى الحكومة بنسبة ٤٥٪ فقط، وهو ما يعيد شبح عسكرة السياسة التركية، لا تبدو أن الانتخابات القادمة ستمكنه من تحقيق كل ذلك، لكنه زعيم لا ييأس، فهل يتخلص من غرور السلطة الذى مسه أخيرا ويعيد ثقة الشعب التركى فيه وفى حزبه؟

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر