لماذا يفضلها البعض مسرحية؟ - محمد بصل - بوابة الشروق
الجمعة 27 يونيو 2025 10:36 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

لماذا يفضلها البعض مسرحية؟

نشر فى : الخميس 26 يونيو 2025 - 8:40 م | آخر تحديث : الخميس 26 يونيو 2025 - 9:18 م

تخيّل.. كيف سيكون شعورك لو خرجت إلى النور تقارير مدعومة بالوثائق تفيد بأن حرب إسرائيل وإيران الأخيرة التى انضمت لها الولايات المتحدة أيضا، ما هى إلا محصلة اتفاق كبير برعاية واشنطن لتصريف فائض القوة لدى الطرفين، وتحقيق بعض التغيرات المحسوبة - والمُدارة - فى توازنات المنطقة، وأن التواصل المباشر لم ينقطع بين تل أبيب وطهران طوال فترة المواجهات؟

بالطبع، كمواطن عربى، سوف يتعزز شعورك بأنك ضحية لمؤامرة كبرى، تستهدف خداعك وتقاسم مقدّراتك.. أراضيك وسماءك وثرواتك وإرادتك السياسية. ستشعر أيضًا بأنه لم يفُتك شىء مهم، فكون الحرب «مسرحية» يخفف كثيرًا من حساسية المشاركة فيها ويهوّن غيابك عنها وبقاءك متابعًا من مقاعد المتفرجين. كما يُعلّق مصير الصراع على ظروف وإرادات خارجة تمامًا عن قدرتك على التداخل والتأثير. ويمنحك أيضًا شعورًا بالسمو الأخلاقى عن هؤلاء المتلاعبين بمصائر البشر، وبأنه ليس فى الإمكان أفضل من أن تغلق عليك بابك وتحافظ على ما أنت فيه من نِعم واستقرار.

لآليات الدفاع النفسى اللاشعورية أهمية كبرى للإبقاء على الشعور بالارتياح والحفاظ على قدر من التوازن النفسى، خاصة فى ظروف تؤلم الإنسان أو تفقده اتزانه، تحت وطأة شعور عميق بخيبة الأمل أو الفشل، وبلُغة التحليل النفسى: عجزه عن إشباع حاجاته.

وسيناريو «المسرحية» الشائع بين فئات واسعة من المتابعين المصريين والعرب، خاصة بعد الوقف المفاجئ للحرب، يلخّص بامتياز مجموعة من حيل الدفاع النفسى التى تعكس أزمتنا العميقة فى لحظة تاريخية.

نجد فيه «التبرير» بمحاولة البحث عن أسباب وأعذار لغياب الإرادة والقوة الحاسمة ولتحول عدد من الدول العربية عبر سنين إلى ساحة للصراع الإسرائيلى الإيرانى حتى فقدت تلك الدول أدنى إمكانيات الدفاع عن شعوبها، ولا ينطوى هذا إلا على خداع للنفس بمبررات تبدو منطقية.

ونرى فيه «الإنكار» لواقع مؤلم ومسبب للقلق، يتمثل فى قدرة إسرائيل -الكيان الذى كان العرب يتصورون قبل عقود قليلة إمكانية إلقائه فى البحر بسهولة- فى أن تصبح محور القوة الأول فى المنطقة، وأن تقضى تباعًا على جميع أذرع المحور المناوئ لها ثم تحقيق مكاسب استراتيجية كبرى ثم انتهاك سماء إيران كما لم يحدث من قبل وتكبيدها خسائر لا تتحملها معظم دول العالم، من استهداف لقادتها وعلمائها ومقوّماتها النووية والعسكرية لا سيما الدفاعية، من خلال تفوق عملياتى غير مسبوق مدعوم بالاختراق المعلوماتى والاجتماعى.

نلحظ فى هذا السيناريو أيضا «الانسحاب» بإيجاد مخرج نفسى من المتابعة المفروضة عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى لتطورات الحرب، ومنها إثبات إيران – خاصة فى الساعات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار - أن ما زال باستطاعتها تكبيد إسرائيل خسائر فادحة ووضع الجبهة الداخلية للصهاينة تحت ضغط الاستهداف المباشر للمرة الأولى، والنجاح فى تحقيق إصابات مباشرة بالمنشآت الحيوية والمرفقية والأرواح. وهو ما لم يتحقق على يد أى دولة عربية من قبل.

التوسع اللاشعورى فى استخدام آليات التبرير والإنكار والانسحاب، يزيد من خطورتها عند تلاقيها لدى ملايين الأشخاص وتكثيفها وتحويلها إلى سرديات خيالية تقوم على معلومات خاطئة، لتكون النتيجة التمويه على الحقيقة، وغض البصر عن العيوب الذاتية ومدى تفوق العدو، وتنتفى محاولة الخروج بتصورات مستقبلية لكيفية التعامل مع الوضع الإقليمى الجديد.

سيناريو «المسرحية» قد يكون المفضل للمتعاملين مع السياسة بالحب والكراهية، وأصحاب نظرية «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين» ومتوهّمى النجاة من التوحّش الصهيونى، لكنهم يتناسون أن التدخل الأمريكى السريع لتنفيذ أقذر مرحلة من «عملها القذر» فى إيران (بنص حديث المستشار الألمانى ميرتس ثم المندوب الإسرائيلى فى الأمم المتحدة) هو مستجد مهم للتكريس «سلام الردع» الذى بشّر به نتنياهو منذ 30 عامًا، ولا تُفلح معه إلا المواجهة.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات