الملكية والجمهورية وثورة يوليو - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 3:57 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الملكية والجمهورية وثورة يوليو

نشر فى : الإثنين 26 يوليه 2010 - 10:19 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 يوليه 2010 - 10:19 ص

 تكثر المقالات فى الصحف المصرية والعربية مع تجدد ذكرى ثورة يوليو كل عام، ويحتدم النقاش بين أنصار هذه الثورة وخصومها، هل كانت ثورة أم انقلابا، وهل كانت نقلة إلى الأمام فى مسيرة تقدم الشعب المصرى، أم كانت خطوة إلى الوراء. ومن الصعب بطبيعة الحال حسم هذا النقاش، فلكل فريق منطلقات فكرية مختلفة. وإذا كان لصاحب هذا المقال من رأى فى هذا الخصوص، فهو أن الضباط لاحرار برزوا على مسرح السياسة المصرية ببساطة لأنه لم يكن هناك فاعل تاريخى آخر كان يمكنه أن يعبر بالمجتمع المصرى النفق الضيق الذى وجد نفسه فيه بعد حريق القاهرة فى يناير 1952.

كان الوفد خارج الحكم عاجزا عن العودة إليه إلا برضاء الملك الذى أسقط حكومته قبل ذلك بست شهور، وكان الإخوان المسلمون يلعقون جراح صدامهم مع النظام السياسى عقب حركة الاغتيالات الكبرى التى أطاحت بمرشدهم الأول وبرئيس وزراء مصر بعد حرب فلسطين التى شاركوا فيها فى سنة 1948، ولم يكن بوسع الشيوعيين أن يقودوا حركة التحرر الوطنى فى ذلك الوقت وهم يتصورون دورهم باعتبارهم الجناح التقدمى فى هذه الحركة التى يتصدرها حزب الوفد، حزب البرجوازية المصرية بحسب تحليلهم.

ومع شدة الخلاف حول ثورة يوليو إلا أن هناك إنجازا أساسيا لهذه الثورة لا يملك خصومها وأنصارها إلا أن يسلموا به، وهو أنها أسقطت النظام الملكى، وأقامت محله حكما جمهوريا، والنظام الجمهورى الذى ينتخب فيه الشعب حاكمه، هو بكل تأكيد أقرب إلى الديمقراطية من الملكية التى عرفتها مصر، أو التى تعرفها الشعوب العربية، والتى ليست بالملكية الدستورية التى تعرفها بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وبلجيكا وهولندا واسبانيا وبعض الدول الاسكندنافية، والتى لا يمارس فيها الملك أى سلطة، ولا يظهر فيها فى غير مناسبات احتفالية.

صحيح أن هناك موجة من الحنين إلى ذكريات العهد الملكى، ولكنها ليست حركة سياسية جادة.
ولا يعود رفض الملكية إلى مجرد معتقدات سياسية لدى البعض، ولكن سحل الحكم الملكى فى مصر منذ وفاة محمد على لم يكن فى العموم سجلا طيبا حتى مع التسليم بالدور الذى لعبه الخديو إسماعيل فى تحديث مصر، أو المواقف الوطنية لعباس حلمى الثانى أو مساندة الملك فؤاد وأفراد الأسرة الملكية لمشروع جامعة القاهرة. لقد كان كل من الملك فؤاد وابنه فاروق نموذجا سيئا للحاكم المستبد، ولعل أنصار حزب الوفد يتذكرون أن كلا منهما ساهم بأكبر قدر فى إبعاد مصر عن مسيرة الديمقراطية بإصرارهما على الاستناد إلى حكومات الأقلية التى تولت السلطة فى مصر ثلاثة أرباع فترة دستور 1923، أول دستور لمصر المستقلة. ولعل الذين يحنون إلى الملكية يذكرون أيضا أن ثورة يوليو قد بدأت وحزب الوفد خارج السلطة بعد أن أسقط الملك فاروق حكومته المنتخبة ولم تكن قد أكملت عامين فى الحكم.

التقاليد الجمهورية فى الوطن العربى

لقد كانت ثورة يوليو هى الأولى التى أسقطت النظام الملكى فى الوطن العربى، وأعقبها بعد ذلك بسنوات إسقاط الملكية فى العراق وتونس واليمن وليبيا، وكانت كل من لبنان وسوريا نظاما جمهوريا منذ استقلال البلدين عن الحكم الفرنسى عقب الحرب العالمية الثانية، وحافظ رؤساء الجمهورية الأول فى مصر على الطابع الجمهورى.

لم يدم محمد نجيب الرئيس الأول للجمهورية فى مصر طويلا، فقد خضع للإقامة الجبرية فى منزله عمليا بعد صدامه مع فريق عبدالناصر فى مجلس قيادة الثورة فى فبراير ــ مارس 1954، ولم يكن قد أكمل سوى تسعة شهور رئيسا للجمهورية، ولم يعرف عن الرئيس عبدالناصر أى نية لترك منصب الرئيس لأى من أفراد أسرته، وكان واضحا من تعيينه أنور السادات نائبا أول للرئيس ترشيحه لخلافته.

صحيح أن ذلك كان بمثابة توصية بأن يخلفه السادات فى حالة اختفائه عن مسرح الحياة السياسية، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن لا يمكن اعتبار ذلك توريثا للحكم كما ادعى البعض، لأن السادات لم يكن من أفراد أسرة عبد الناصر، فمن المعروف أن السادات لم يكن يحظى بالتأييد بين أغلبية أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، ولا بين قيادات أجهزة الدولة فى القوات المسلحة والداخلية والمخابرات العامة أو الإعلام كما اتضح جليا فيما بعد عندما أطاح الرئيس السادات بكل هذه القيادات فى مايو سنة 1971 لخلافاتها مع سياساته الداخلية والخارجية كما هو معروف.

وقد اختار الرئيس السادات حسنى مبارك قائد سلاح الطيران نائبا له فى سنة 1975، وهو ما أفسح المجال له لتولى منصب الرئاسة بعد اغتيال الرئيس السادات فى 6 أكتوبر 1981، وفى أعقاب ترشيح مجلس الشعب له ثم فوزه فى استفتاء شعبى بعد ذلك بأسابيع، وكان من الممكن مثلا للرئيس السادات أن يهيئ الظروف لكى يقفز إلى هذا المنصب من بعده أحد أفراد أسرته، صحيح أن أبناءه كانوا صغارا فى ذلك الوقت، ولكن السيدة الفاضلة جيهان السادات زوجته كانت تحظى بالاحترام والتقدير فى أوساط كثيرة، وكان لها دور فى الحياة العامة، ولكن السادات مهما اختلفنا حول سياساته، كان من الضباط الأحرار، بل لقد ادعى أنه هو أول من كون تنظيمهم، وهم الذين أسقطوا الملكية، وظل وفيا لهذا الإنجاز العظيم لثورة يوليو.
لقد حافظ الرئيسان عبدالناصر والسادات على الطبيعة النقية للنظام الجمهورى ولم يفكرا فى توريث هذا المنصب لأى من أفراد أسرة أى منهما، حتى وإن كانت صيغة تولى هذا المنصب كما جاءت فى الدستور المؤقت فى 1964 أو الدستور الدائم فى سنة 1971، لا تدع فى الحقيقة مجالا أمام الشعب للاختيار بين مرشحين متعددين، وعلى العكس من ذلك خرجت النظم الجمهورية فى الوطن العربى تباعا عن هذه الصيغة، وأصبحت أقرب إلى النظم الوراثية.

كانت سوريا أولها فى الابتعاد عن الصيغة الجمهورية بإعداد الرئيس الراحل حافظ الأسد ابنه باسل، ثم بعد وفاته ابنه بشار لخلافته، وهو ما جرى بالفعل. وهناك خطوات مماثلة تتخذ فى ليبيا، واليمن وتونس لكى يخلف رؤساءها الحاليين أفراد من أسرهم. وهناك الدور البارز الذى يقوم به جمال مبارك فى إطار الحزب الحاكم فى مصر. وحتى لو كانت آليات تولى هذا المنصب فى كل هذه البلاد أو بعضها تتضمن طقوسا انتخابية بل وقدرا من التنافسية، إلا أن السذج وحدهم هم الذين يصدقون أن هناك فرصا متكافئة أمام المرشحين فى خوض هذه الانتخابات. ما يجرى فى ظل هذه الأوضاع هو توريث للسلطة كما لو أن هذه النظم الجمهورية قد أصبحت ملكيات مستبدة وليست دستورية.

صحيح أن الرئيس حسنى مبارك لم يكن عضوا فى تنظيم الضباط الأحرار، ولكنه يعترف بإنجازات ثورة يوليو ويقول أنه امتنع عن تعيين نائب له لكى لا يؤثر على اختيار الشعب لمن يخلفه فى منصب الرئيس. فهل يحافظ هو نفسه على الطبيعة الجمهورية للنظام السياسى فى مصر، وهو ما يتفق الجميع على أنه الإنجاز العظيم لثورة يوليو.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات