هى المرة الأولى التى أزور فيها نيجيريا. لكن لم أكن أعرف عنها إلا المعلومات العامة الأساسية مثل أنها أكبر دولة إفريقية بنحو 230 مليون نسمة يعيشون على 924 ألف كيلو متر، وأنها كانت متميزة فى كرة القدم.
الزيارة كانت لتغطية ومتابعة جولة الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية فى ست دول هى تشاد ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالى والسنغال، وأتاحت لى التعرف عن قرب على الكثير فى هذا البلد الإفريقى الكبير.
العاصمة القديمة هى لاجوس وتقع جنوبا، أما العاصمة الحالية أبوجا فتقع وسط البلاد، إضافة إلى 36 ولاية، لها صلاحيات كبيرة، وتستأثر الحكومة الاتحادية بصلاحيات الدفاع والأمن والعلاقات الخارجية.
نيجيريا بها نحو 350 عرقية أهمها الهاوسا ٣٥٪ واليوروبا 15٪ والايبو 15٪ والفولانى 6٪. وبالطبع فهذا التنوع يمكن أن يكون ميزة، لكنه للأسف يتحول فى بعض النماذج الإفريقية إلى نقمة وسبب للصراعات والحروب.
لدى نيجيريا مثل العديد من الدول الإفريقية موارد ومقومات اقتصادية صخمة تؤهلها لتكون قوة قارية معتبرة، وناتجها المحلى الإجمالى يبلغ نحو 200 مليار دولار كقيمة اسمية و1٫4 تريليون دولار وفقا للقوة الشرائية.
لكن مع ملاحظة أن النفط والغاز يشكلان 90٪ من صادراتها، وبالتالى فإن اقتصادها عرضة لتقلبات الأسعار. لديها مساحات شاسعة من الأراضى الخصبة الصالحة للزراعة وأمطار غزيرة، و40٪ من قوتها العاملة تعمل فى الزراعة، لكنها تعانى من نقص الإنتاجية.
فى اليوم الأول لتسلم الرئيس بولا أحمد تينوبو منصبه فى فبراير 2023 رفع الدعم عن الوقود، ثم حرر سعر الصرف جزئيا، القرار كان مهما من وجهة نظر الحكومة، لكنه أدى إلى رفع معدل التضخم بنسبة ٣٥ ٪.
الأزمة الاقتصادية أدت طبقا لتقارير متعددة لارتفاع معدلات الجريمة، النهب المسلح والخطف مقابل الفدية ببعض الولايات. وهناك من يلجأ إلى استئجار الشرطة لكى تؤمنه فى بعض تنقلاته خصوصا بعد العاشرة مساء، إضافة لذلك عانت نيجيريا من تهديدات العديد من التنظيمات الإرهابية مثل بوكو حرام وداعش «غرب إفريقيا» وغيرها، وهى تتواجد فى مناطق شمال شرق وشمال غرب البلاد، وبسبب العمليات الإرهابية فإن بعض السكان تركوا منازلهم ونزحوا لأماكن أخرى أكثر أمنا.
وقد تمكنت قوات الأمن مؤخراً من تحقيق نجاحات كثيرة ضد هذه الجماعات.
ومن الملاحظات المهمة أن نيجيريا بدأت تعانى من آثار التغيرات المناخية فى بعض المناطق وبسبب ذلك، فقد قلت مساحات المراعى، ممن دفع الرعاة للزحف على مناطق جديدة، وبالتالى حدثت صدامات متعددة مع المزارعين الذين هجروا الزراعة. وهذه نقطة فى غاية الخطورة تبين كيف أن التغيرات المناخية يمكن أن تؤثر ليس فقط على الزراعة والاقتصاد، بل وعلى الأمن والاستقرار.
ورغم أن نيجيريا أكبر دولة فى إفريقيا إلا أن فكرة القبيلة ما تزال عاملا أساسيا، ولا ننسى أن نيجيريا بشكلها الراهن، ورغم ذلك يحسب للحكومات فى العقود الأخيرة أنها تحاول بدأب ليس فقط ترسيخ فكرة الدولة الوطنية، بل ومواجهة أى صراعات على أسس دينية أو طائفية.
والتقديرات أن 55٪ من السكان مسلمون والبقية مسيحيون، علما بأن الدولة لم تجر أى إحصائيات عن هذه الموضوعات منذ عام 2007.
وخلال الزيارة عرفت أن نيجيريا مهتمة كثيرا بالتجربة المصرية فى مواجهة التطرف وهى تسعى لإدماج المقاتلين السابقين فى تنظيمات بوكوحرام وداعش فى المجتمع والحكومة والدولة.
وعرفت أيضا أن الحكومة النيجيرية مهتمة بأئمة الأزهر الذين ينشرون تعاليم الدين الحنيف، كما طلبت كتبا دينية مترجمة إلى لغة الهاوسا لمواجهة الأفكار المتطرفة.
والسؤال: ما هى طبيعة العلاقات بين مصر ونيجيريا؟
الإجابة أن هناك علاقات متميزة منذ عام 1961، ومنذ عام 2021 تم إعادة إحياء آلية المشاورات السياسية بين وزارتى الخارجية فى البلدين، وفى يناير الماضى انعقدت جولة جديدة على مستوى وزيرى الخارجية لتنشيط العلاقات فى مختلف المجالات، والزيارات بين البلدين تتم على مختلف المستويات، ورغم ذلك فإن التبادل التجارى بين البلدين ما يزال دون المستوى حيث لم يتجاوز 315 مليون دولار عام 2024 مقارة بـ187 مليون دولار عام 2023، والسر فى هذا التغير أن نيجيريا بدأت فى توريد الغاز الطبيعى لمصر بحوالى 154 مليون دولار.
لكن نقطة الضوء والأمل الكبير هى الشركات المصرية فى نيجيريا وعديد من دول القارة، وهى قصة نجاح حقيقية تستحق أن تروى لاحقا إن شاء الله.