يوم سيندم العالم متأخرا - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوم سيندم العالم متأخرا

نشر فى : السبت 28 أكتوبر 2023 - 10:10 م | آخر تحديث : السبت 28 أكتوبر 2023 - 10:10 م
ليس جديدا ولا مفاجئا أن يتكرر فشل وعجز النظام الدولى فى استخدام أدوات القانون الدولى والدبلوماسية الدولية فى حماية أكثر من مليونى شخص مدنى أعزل فى قطاع غزة! فلا مجلس الأمن ولا الجمعية العمومية للأمم المتحدة قادرتان على فرض قواعد القانون الدولى على إسرائيل وداعميها فى العالم الغربى! أكثر من مشروع قرار أمام الجمعية العامة ومجلس الأمن بلا طائل، إما بسبب استخدام حق النقض (الفيتو)، أو بسبب عدم إلزامية القرارات الأممية التى تصدر من الجمعية العامة!
فشل النظام الدولى من قبل فى إلزام إسرائيل بقبول القرارات الأممية بخصوص حل الدولتين، وبخصوص قضايا اللاجئين، وبخصوص المستوطنات غير الشرعية، وبخصوص وضع مدينة القدس الشرقية! تعلم إسرائيل جيدا هذا العجز، وتعرف أن لديها ضوءا أخضر لفعل ما تريد وكيفما تشاء بسبب الدعم الأمريكى والغربى، وبسبب عجز المنظومة الدولية عن فرض عقوبات عليها كونها الطفل المدلل للغرب الذى لا يمكن عقابه أو محاسبته أو حتى منعه من مواصلة خرق القوانين!
• • •
لكل هذا ثمن معروف، وهو ثمن ربما أخطر مما يعتقده الساسة والدبلوماسيون فى الغرب، أو ربما يعلمونه، ولكنهم أضعف من أن يقولوه صراحة! هذا الثمن ببساطة هو الفوضى والمزيد من عدم الاستقرار وانتشار العنف ليس فقط فى الشرق الأوسط، ولكن فى دول العالم أجمع!
إن أول ملامح نتائج هذا العجز الدولى ستتبلور فى تأصل فكرة العنف كوسيلة للمقاومة والخلاص ليس فقط بين الشعب الفلسطينى، ولكن بين الكثير من العرب والمسلمين وغيرهم من الشعوب المغلوبة على أمرها! فإذا كانت إسرائيل لا تعرف ولا تحترم سوى الأقوياء، وإذا كان القانون الدولى لا يخضع له سوى الضعفاء، فإن النتيجة المباشرة لهذا هو احتضان الشعوب لفكرة العنف كوسيلة للاستقواء والتمكين وتغيير المعادلات الظالمة بالنسبة لهم! هنا تتخطى المشكلة حماس أو الجهاد، نحن نتحدث عن انتشار هذه القناعات بين الأفراد والجماعات من غير الدول وبالتالى فإن تحطيم آلة حماس العسكرية بفرض حدوثها لن تكون هزيمة لحماس كما يعتقد الجانبان الإسرائيلى والغربى، لأن حماس هنا ستكون الفكرة لا التنظيم!
وهنا يأتى ثانى نتائج هذا العجز الدولى والمتمثل فى اشتعال سريع لمنطقة الشرق الأوسط ودخولها فى نفق الحروب سواء تلك الاعتيادية، أو تلك التى يتم خوضها بين وكلاء الدول المتحاربة! فالمشكلة هنا ستكون أكبر من دخول إيران فى حرب إقليمية، ولكن ستكون تحول المنطقة إلى ساحة للفوضى ينتشر فيها السلاح بين الجماعات العنيفة من غير الدول، فيضرب العنف والإرهاب المنطقة ويضرب معها الاستقرار الإقليمى الهش بطبيعته مع مزيد من الانهيارات والثورات والحروب الإقليمية أو الأهلية أو كليهما!
وهنا فإن الفوضى العارمة المنتظرة فى الشرق الأوسط لن تقتصر عليه، فالشعوب العربية والإسلامية وغيرهم منتشرون فى أرجاء العالم، وهو ما يعنى أن ما سيطال المنطقة من عنف وإرهاب سينتشر بسرعة كبيرة فى أوروبا والولايات المتحدة وسيطال مصالح وقواعد هذه الدول فى العالم أجمع، وهو سيناريو كابوسى، أشبه بسيناريو الحادى عشر من سبتمبر، ولكنه سيناريو محتوم لطالما عجز النظام الدولى عن اتخاذ أى قرارات حياله لفرض الشرعية الدولية، ولطالما تخاذلت الدول الغربية عن نصرة الحق الفلسطينى تحت دعوى حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها!
هذا يعنى أيضا أننا من المنتظر أن نشهد خلال السنوات القليلة القادمة تصاعدا قويا فى الأصوليات الدينية والأيديولوجية وهو ما يحيى نظرية صامويل هنتنجتون الشهيرة عن صراع الحضارات! فتلك النظرية التى وضعها هنتنجتون قبل نحو ثلاثة عقود تجسدت فى الحادى عشر من سبتمبر حيث ظهر العالم وكأنه فى صراع بين معسكرات الخير والشر، الشرق والغرب، الإسلام والمسيحية، ورغم أن هذه النظرية مليئة بالعيوب، ورغم أن الترويج لصدام الحضارات هو بالأساس فعل سياسى انتهازى، إلا أننا فى الطريق لهذا الصدام حيث ستتصاعد التيارات اليمينية بمختلف توجهاتها الدينية أو القومية لتتصادم سياسات ومصالح الدول والجماعات على أسس دينية أو قومية متطرفة لينزف العالم ومجتمعه الدولى العاجز المزيد من الموارد والدماء والمشاعر والقيم لصالح أمراء الحروب هنا وهناك!
• • •
فى النهاية المحتومة لمثل هذا النظام الدولى الفاشل والعاجز فلا يمكن استبعاد قيام حرب عالمية ثالثة! صحيح سيناريو كان يبدو مستبعدا منذ سنوات، لكن الفوضى الدولية أصبحت تتسارع فى السنوات الأخيرة لتأخذنا رويدا رويدا إلى مثل هذه الحرب التى سيكون فيها العالم مسرحا لمزيد من سفك الدماء! فى عام ١٩١٤ لم يشر الجميع إلى الحروب التى بدأت فى أوروبا على أنها حرب عالمية أولى فور اندلاعها، وكذلك الحال حينما تقدم هتلر بقواته لغزو بولندا فى ١٩٣٩، لكنها مجموعة عوامل مثلت سلاسل من الفشل المتواصل للنظام الدولى فى فرض الشرعية فى ١٩١٤ حينما لم يكن النظام الدولى تبلور فى صورته الحديثة، أو فى ١٩٣٩ حينما تحولت عصبة الأمم إلى حبر على ورق، وها نحن نشهد لحظة مشابهة تتحول فيها الأمم المتحدة إلى حبر على ورق ويتم الاستهزاء بها وبقراراتها من إسرائيل ومعها لفيف من الدول الغربية!
فى كل مرة فشل فيها النظام الدولى بهذه الفداحة، حدثت كارثة دولية سواء فى شكل حروب منتظمة بين الدول أو فى شكل عمليات إرهابية على نطاق كبير، ولا تبدو هذه المرة استثناء، فتلك الحرب العالمية قد تكون هذه المرة حربا بين جماعات مسلحة من غير الدول، وقد تكون مزيجا بين الحروب التقليدية وتلك غير التقليدية، لكن المؤكد أن هذا الفشل لن يمر على خير!
فى كل مرة فشل فيها النظام الدولى بهذا القدر من البؤس والشلل وغياب الإرادة الدولية، جرت التنظيرات والاجتماعات لاستخلاص النتائج والعبر على المستويات الإعلامية والأكاديمية والسياسية والأمنية، وفى كل مرة تعبر الدروس المستخلصة عن ندم دولى من عدم رؤية الكارثة قادمة فى الوقت المناسب، ثم ما تلبث أن تمر آثار الكارثة ويبدأ العالم فى الاستقرار، حتى يقع الجميع فى نفس الأخطاء ثانية وثالثة فتحل كارثة جديدة وهكذا يكرر التاريخ نفسه!
إن إسرائيل بعدوانها على غزة ومجازرها بحق المدنيين، والأطفال والنساء، والصحفيين والمستشفيات تجر المنطقة والعالم إلى مرحلة جديدة من الفوضى الدولية، وما لم يقف المجتمع الدولى وقفة حازمة لكبح الغطرسة الإسرائيلية فى الأيام القادمة فإن الندم العالمى قادم لا محالة، لأن الخسائر وقتها ستطال كل مكان فى العالم، حتى تلك الأماكن التى تظن دائما أنها بمأمن جغرافى أو عسكرى عن الشرق الأوسط، فى النهاية ستدفع الثمن غاليا! إما إيقاف الآلة العسكرية الإسرائيلية الآن، وإما فوضى حتمية قادمة!
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر