العملة الإلكترونية تغيِّر العالم من سكات! - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العملة الإلكترونية تغيِّر العالم من سكات!

نشر فى : الخميس 4 مارس 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الخميس 4 مارس 2021 - 8:10 م

بعد أول عملية شراء تتم بعملة البيتكوين فى مايو 2010، اشترى صديق شخصى من النوع المغامر 10 بيتكوين، بغرض التعرف على هذا المنتج الجديد. ولأن المنتج غير مستعمل فى مصر، ولا سبيل لتبديله بالجنيه، وغير مقبول للشراء عبر النت فى مصر، فإن صديقى لم يجد مكسبا من البيتكوين. ولأن الاستثمار كان زهيدا جدا، حيث بلغ إجمالى ما أنفقه حوالى 3 دولارات لشراء العشرة بيتكوين فى نوفمبر 2010، فلم يتابع الموضوع. ومرت أيام ثورة يناير وما لحقها من أحداث جعلته ينسى الموضوع تماما. ولما كسر البيتكوين حاجز مائة وثلاثين دولارا فى يونيو 2013، تنبه صديقى للأمر، وعاد ليبيع ما لديه ليحقق نسبة ربح كبيرة. وكان فى منتهى السعادة. ولقد باع 7 بيتكوين وترك 3 لعل السعر يعاود للارتفاع. وبعد البيع، واجهته مشكلة تحويل أمواله من الخارج إلى مصر. وأثناء بحثه عن الحل، قامت ثورة يونيو وضاع جهاز الكمبيوتر الشخصى الخاص به. بمعنى آخر، فقد الباسورد الخاصة بمحفظته. مما يعنى فقد الاتصال والسيطرة على ما لديه من بيتكوين! وشعر بإحباط شديد.
وكلما ارتفع سعر البيتكوين يتذكر فى حسرة الباسورد الضائع. وفى عام 2016، وهو ينتقل إلى منزله الجديد ويفرز ما لديه من أوراق، وجد ورقة مكتوبا عليها الباسورد لمحفظته الإلكترونية. فكاد أن يجن، وهرول إلى اللاب توب ليرى ما جرى فى محفظته. ولكن لم يحالفه الحظ، فلقد وصلت ليد «المنقبين» من الباحثين عن البيتكوين والمحافظ الضائعة! وقتها كان سعر البيتكوين يفوق الـ 660 دولار. وكان دائما يتحسر على الثلاثة بيتكوين المتبقين. وكنا نهون عليه بأن التعامل مع البيتكوين قد يجلب له المشاكل، ففى عام 2016 تصدر خبر فى الجرائد بالقبض على أحد تجار السوق السوداء للبيتكوين. وإلى الآن البيتكوين غير مسموح بالتداول فى مصر، استبدالا أو شراء عبر النت من محلات مصرية. ولقد استمر البيتكوين فى رحلة صعوده وهبوطه غير عابئ بأى معارضة. وانطلق فى قفزات تاريخية تفوق الخيال، حيث كسر حاجز ألف دولار فى 2017، ثم 15 ألف دولار فى 2018، و20 ألف دولار فى 2020، ووصل لمستويات تاريخية، حيث بلغ أعلى قيمة حققها حوالى 58 ألف دولار فى فبراير 2021. بمعنى آخر، لو استمر استثمار صديقى بـ 3 بيتكوين إلى الآن لكان لديه 174 ألف دولار من أصل 3 دولارات، أى 2,6 مليون جنيه!
***
لكن كيف لعملة إلكترونية مشفرة أن تقفز قفزات هائلة بهذا الحجم؟ لقد تضاعف سعرها آلاف المرات عن قيمتها الأصلية. لذلك لابد التوقف عند السؤال، ما الذى يعطى العملة قيمتها؟ فأى عملة تنبع قيمتها من الطلب عليها. ولما كان عدد البيتكوين محدودا فى العالم ــ حوالى 21 مليون بيتكوين ــ فإن أى تعامل بالشراء أو البيع يصنع لهذه العملة قيمة. ومؤخرا اشترت شركة تسلا المملوكة لرجل الأعمال آلون ماسك بيتكوين بما قيمته تفوق المليار دولار. لذلك قفز سعر البيتكوين الواحد من 44 ألف دولار إلى 58 ألف دولار. وكلما لجأت الشركات والبنوك لاستعمال البيتكوين كلما صنعت له قيمة. والبيتكوين ليس العملة الوحيدة الإلكترونية المشفرة، بل توجد عشرات العملات الأخرى، منها الناجح ومنها ما دون ذلك. فمثلا شركة فيسبوك طرحت عملة إلكترونية أطلقت عليها اسم ليبرا فى عام 2020، لكن العملة لم تلقَ نجاحا مثل البيتكوين. وقد يكون من المبكر الحكم على هذه العملات وما ستصل إليه من أحوال. لكن الشاهد أن العالم ينتقل إلى نظام الدفع الإلكترونى والشمول المالى، بسرعة فائقة، مما يعنى التحول السريع لاستعمال سبل الدفع الإلكترونى التى عادة ما تخضع لمراقبة الدولة. وبالتالى، العملات المشفرة (أو المعماة) التى لا تصدر عن البنوك المركزية للدول، تعتبر مثل أموال السوق السوداء، ولها فوائد لإجراء التعاملات عبر الإنترنت بدون الكشف عن البائع والمشترى.
لكن البنوك المركزية على مستوى العالم لن تقف مكتوفة الأيدى أمام غزو العملات المشفرة. فمن ناحية تقود الصين إصدار العملة الإلكترونية عن طريق بنكها المركزى، وأجرت تجارب فى أربع مدن صينية كبرى عام 2020. لاحظ أن العملة المشفرة لا تصدر عن بنك مركزى، ولكنها أصدرت على النت منذ عام 2009، ويتم تداولها وتبادلها بدون الحاجة لبنوك مركزية. أما العملة الإلكترونية، فهى عملة البلد، لكنها إلكترونية. كأن يكون لديك جنيه إلكترونى فى مصر تستطيع الشراء به وتحويله.. إلخ. العملة الإلكترونية تشبه إلى حد ما بطاقة الائتمان، أو بطاقة الحساب، لكنها إلكترونية فقط. وأى تعامل بالعملة الإلكترونية يتم تحت سيطرة ومراقبة البنوك المركزية. وبالعودة لتجربة الصين، فلقد حولت جزءا من مرتبات الموظفين فى أربع مدن كبرى إلى اليوان الإلكترونى، وسهلت فى استخدامه لدفع الفواتير، لاسيما المرافق. لكن التجربة لم تعمم بعد. وتجرى دراسة العملة الإلكترونية فى بنوك مركزية كثيرة، منها الأوروبى، والأمريكى، والإنجليزى، والسويدى، والكندى، ولم تصل إلى قرار حاسم بعد. المهم أن قيمة العملة الإلكترونية نفس قيمة العملة الورقية، ولا تخضع لعملية المضاربة والتذبذب الكبير فى السعر مثل العملات المشفرة.
لاحظ أن مسألة استعمال العملات الإلكترونية تواجه رفضا من جمهور المتعاملين لأسباب أهمها فقدان الخصوصية. فكل تعامل عن طريق العملة الإلكترونية يمكن متابعته من بدايته إلى نهايته. وبالتالى يفقد الفرد والمجتمع الخصوصية. أما الذى يواجه العملات المشفرة فليس رفض المواطنين ولكن البنوك المركزية نفسها، وذلك لأن تعميم استعمال العملة التى لا تصدر من البنك المركزى يفقد البنك المركزى السيطرة على طباعة النقد وضبط كمية المعروض منه. وهذا لا يعنى فقط أن الدولة تفقد سيطرتها على إصدار وتنظيم عملتها، ولكن الأهم، أن البنوك المركزية التى تعتبر بنوك خاصة فى أغلب دول العالم، ستفقد مكانتها ونفوذها. وهو أمر غير متصور فى المستقبل القريب! بمعنى آخر، هناك حوار غير مرئى بين أصحاب البنوك المركزية وأصحاب تقنيات العملة الإلكترونية والمشفرة. نتيجة هذا الحوار تغير كل شيء فى عالم المال والأعمال، ويصنع عالما ماليا جديدا من سكات، قد يفوق ما صنعه الفيسبوك والتواصل الاجتماعى من قواعد جديدة للنشر والإعلام والسياسة. حتى أصبح الأفراد، والمجتمعات، والدول تصطف وتجتمع حول النهر الإلكترونى العابر للأجهزة، والذى يدخل لخصوصية كل فرد بدون حتى سلام عليكم!

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات