مصر والسودان «حتة واحدة» - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والسودان «حتة واحدة»

نشر فى : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:15 م
السودان خاصرة مصر الجنوبية، وعمقها الاستراتيجى، ومصر بالنسبة للسودان ليست كتلة جغرافية صماء تقع فى شمالها، بل امتداد حضارى ومخزون للقوة يستدعى وقت الملمات، هذا ما تعلمناه فى مدرسة «وحدة وادى النيل الابتدائية» بإدفينا، قبل نحو أربعين عاما، وسيظل الأمر قائما فى كل حين، ما بقى الشعب الواحد فى البلدين حريصا على حق الجيرة، وراوبط الجغرافيا والتاريخ المشترك. 

الكلام ليس عاطفيا، وإن غلفته مشاعر الود والمحبة، لكنه تعبير عن واقع تمليه المصالح ومقتضيات الأمن القومى لكلا الطرفين، فسحابات التوتر التى تمر فى سماء البلدين من وقت لآخر، ستظل عابرة فى مسيرة يجب أن تتجاوز الخلافات التى تفجرها تفاعلات الآنى، لصالح الثوابت الراسخة فى علاقة أكبر من أن تترك لمنتهزى الفرص الإقليمية والدولية، أو لمحترفى الصيد فى الماء العكر، والقادمين من وراء البحار أو الخلجان.

قد لا يعجب البعض هذا الحديث، وقد يسوق البعض الآخر آلاف الحجج والمبررات لتفسير الأزمة التى دفعت بالسودان لاستدعاء سفيره بالقاهرة للتشاور، وربما يخوض المحللون فى تاريخ سابق من التوتر بين البلدين، غير أن النيل، شريان الحياة الواصل بين الأشقاء، سوف يكنس فى طريقه كل الشوائب العالقة، والتحديات القائمة.

نعم هناك خلافات فى عدد من الملفات بين القاهرة والخرطوم، مثل حلايب وشلاتين، وضبط الحدود فى وجه الإرهابيين، وسد النهضة الإثيوبى، وتقارب النظام السودانى مع هذه الدولة أو تلك، غير أنها خلافات قابلة للحل بالحوار المتبادل، وتغليب ما يجمع على ما يفرق، وأن يدرك الأشقاء أن مصالحهم مع مصر أقوى وأبقى، وبما يسد الطرق على من يسعده النفخ فى كير الأزمات.

زرت السودان، مرتين بين عامى 2008 و2009، بما أتاح لى التجول بين أكثر من مكان، مدينة كنانة ومصنع سكرها الشهير بولاية النيل الأبيض (جنوب شرق)، ومشروع الجزيرة بأفدنته الأخصب، وود مدنى فى الوسط، ومدن الفاشر والجنينة ونيالا فى أقليم دارفور غربا، والعاصمة الخرطوم بطبيعة الحال، كما شربت من مياه النيلين، الأزرق والأبيض على السواء، قبل أن أحط رحالى فى حمد النيل بأم درمان لأنهل من نبع الصوفية الرائق على وقع أذكار وابتهالات تنقى النفوس التعبة، وأشهد أن روح الأشقاء تذوب عشقا فى كل ما هو مصرى.

فى الطريق بين كنانة والخرطوم الذى يمتد لنحو 250 كيلومترا، كنت ضمن فريق إعلامى يضم عددا من الصحفيين العرب والأجانب توجه من الإمارات العربية المتحدة للإطلاع على عدد من المشروعات التنموية فى السودان، عندما استوقفنا كمين أمنى للإطلاع على هوياتنا الشخصية.

وقتها تفحص الضابط المسئول جوازات سفر الموجودين بالسيارة التى كانت تقلنا، عدا جواز سفرى الذى لم يلمسه، وعندما بدت علامات الدهشة على بعض أعضاء الوفد الإعلامى، بادرالرجل بقوله: «نحن لا نطالب الأشقاء المصريين بجوازات سفر بموجب اتفاقية الحريات الأربع» فى أشار إلى الاتفاقية الموقعة فى 2004، والتى نصت على حرية التنقل، والإقامة، والعمل، والتملك بين البلدين.

طبعا هذا الأمر لم يمنع أن يوجه لى بعض الأشقاء عتاب المحبين على تجاهل الإعلام والمثقفين المصريين الاهتمام المطلوب بقضايا السودان الداخلية باعتبارها شأنا مصريا، كما هو الحال لدى كل سودانى ينظر إلى القضايا المصرية باعتبارها شأنا سودانيا خالصا، وهو عتاب فى محله، ويحتاج منا فى مصر، خاصة وسائل الإعلام، إلى إعادة النظر فى الأمر، والعمل على توسيع دائرة الاهتمام بشئون السودان، لمزيد من الفهم المشترك.

لا يكفى أن نقول أن مصر والسودان «حتة واحدة»، فالمقولة وإن كانت صحيحة فى جوهرها، لكنها تملى علينا التعبير عن ذلك بطرق أكثر عمقا، وأحرص على المصالح المشتركة، وأن نبادر جميعا بطرح خلافاتنا على مائدة الحوار بمجرد أن تظهر غيومها فى الأفق، وألا نترك الساحة مفتوحة لصناع الدسائس، ومحترفى الوقيعة لتحقيق أغراضهم.

 

التعليقات