هل سقط الإسلام السياسى فى مصر؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل سقط الإسلام السياسى فى مصر؟

نشر فى : الأحد 11 أغسطس 2013 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أغسطس 2013 - 9:05 ص

حين صدر بيان 3 يوليو فى مصر كنت فى برلين مرتبطا بمحاضرة عامة فى الخامس من يوليو فى جامعة برلين الحرة (تم دعوتى للتحدث فيها قبل 30 يونيو بأسابيع) عن مستقبل التحول الديموقراطى فى مصر، وقد تم اللقاء فى ظل اقبال كبير من المواطنين الألمان والأوروبيين وكان أحد أهم الأسئلة التى وجهت إلى عن مستقبل الإسلام السياسى فى مصر بعد عزل مرسى من المشهد.

وبينما كان النقاش حول الموضوع محل جدل فى المحاضرة وتكرر الجدل بأساليب مشابهة فى البرامج الحوارية والمناقشات الأكاديمية الأوروبية فقد وجدت أن الموضوع محسوما فى المحروسة بعد عودتى، حيث ساد تحليل عام تحول إلى قناعة لدى كثيرين بأن الإسلام السياسى سقط وانتهى للأبد فى مصر!

●●●

بدت لى الإجابة السابقة بها قدر من التسرع وفى تقديرى فإنها عبرت عن رغبة أكثر مما عكست تحليلا للواقع، وفى النقاط القليلة القادمة محاولة متواضعة لقراءة ما حدث لمشروع الإسلام السياسى خلال الأسابيع القليلة الماضية وإرهاصات المستقبل:

ــ مما لاشك فيه فقد تعرض تيار الإسلام السياسى قى مصر لضربة قوية من مؤسسات الدولة ومن قطاعات شعبية واسعة، فالإسلاميون (ممثلون فى جماعة الإخوان وحلفائها) عجزوا عن قيادة وتطويع وهيكلة أجهزة الدولة القوية، كما أنهم زادوا الطين بلة باستعداء قطاعات واسعة ومتنوعة من المصريين بخطب وتصريحات وسياسات فاشلة وضيقة الأفق، فضلا على استعداء الثوار والشباب بالهرولة وراء عقد صفقات سياسية لا ثورية مع نفس الأجهزة التى يكتوون من نيرانها الآن.

ــ ولعل واحدة من أهم أسباب فشل «مشروع» الإسلام السياسى هو أنه ببساطة لم يكن ثمة «مشروع» حتى ينجح أو يفشل ولكن كانت هناك أفكار وشعارات وأحلام تبشر بدولة الخلافة وبأستاذية العالم حشدت الأصوات والصلوات وأسرت المشاعر وداعبت أحلام الحالمين متخفية وراء سيل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة دون أدنى ربط بالواقع وتحدياته فلا مشروعا صنع ولا فكرة بقيت.

ــ كما فشل الإسلام السياسى فى مصر أيضا لعجزه عن فهم طبيعة المصريين وثقافتهم ولغتهم، فخرج عليهم ببشر وخطب وسياسات وليدة بيئات صحراوية، حيث تختلف الثقافة والعادات والتقاليد واللغة دون مراعاة لتدرج ولا لأوليات، فقدم لنا الإسلام السياسى فى مصر المحاولة الأكثر سذاجة فى التاريخ لتغيير المجتمعات! فلا مجتمع غير ولا نظام جديد للحكم قدم.

●●●

ورغم ذلك فى تقديرى أنه رغم هذه اللطمة القوية للإسلام السياسى ولكنه لم يسقط بعد لثلاثة أسباب:

الأول: هو أن التيار ورغم فشله السياسى الواضح إلا انه سقط بمسار استثنائى، فمن جاء بالصندوق لا يسقط إلا به، وفى التحليل الأخير فقد عزل تيار الإسلام السياسى عن المشهد بعد انقسام شعبى ومسار استثنائى انحازت له المؤسسة العسكرية إلا انه لم يستبدل بخصم حزبى أو ببرنامج منافس فى انتخابات تعددية، وهى نقطة ستظل لصالح الإسلام السياسى من حيث لا يحتسب أحد.

أما السبب الثانى: فهو أن حالة الهيستريا والشوفونية القومية التى انتابت قطاعات شعبية واسعة بدعم ومباركة من أجهزة الدولة وبعض ساستها وشاركت فيها آلة إعلامية ضخمة افتقدت فى معظمها أى معايير مهنية أو موضوعية واستعانت بعدد من الأكاديميين وقادة الرأى العام الذين لعبوا (إلا من رحم ربى) دور المحلل لكل ما اتخذ من إجراءات استثنائية بآراء وتحليلات لا تمت للعلم أو للمبادئ بصلة ساهمت فى خلق حالة مجتمعية أبدت تعاطفا تدريجيا مع أبناء التيار حتى لو بدافع انسانى وليس سياسيا.

●●●

وأخيرا فإن قطاعا واسعا من أبناء التيار قد ترجم مسار 3 يوليو وما تلاه من إجراءات وسياسات على انه استهداف للمشروع نفسه وللهوية الإسلامية للدولة وليس مجرد تصحيح مسار رئيس ضل الطريق، ومن هنا فبدلا من أن يقوم اتباع التيار بتصحيح الطريق وعقد مراجعات شاملة فإنهم تكتلوا فى موقف دفاعى عن المشروع واعتبروا انهم فى معركة جهاد مقدس ضد (الدولة الانقلابية) وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه الرؤية إلا أنها ستتحول فى المستقبل القريب إلى مظلمة تاريخية ستحافظ على بقاء التيار وتماسكه التنظيمى والبنيوى سواء فى النور أو فى الظلام!

فى 24 فبراير الفائت وفى نفس هذه المساحة توقعت خروج تيار الإسلام السياسى من المعادلة فى مقال بعنوان «هل يصمد الإسلاميون فى حكم مصر؟» وقد تحقق التوقع بعدها بأربعة أشهر رغم استهزاء من كان فى الحكم وقتها بما كتبت! واليوم أعيد التأكيد أن سقوط التيارات والمشاريع السياسية لا يكون إلا بتسجيل النقاط وعبر نفس الآلية التى جاءت بها لا عن طريق الضربات القاضية الاستثنائية مهما كانت قوة صاحب اللكمة، والتاريخ حافل بأمثلة لتغيير المعادلات والتوازنات السياسية بغض النظر عن تكافؤ القوى المتصارعة.

وهو أمر يتطلب من النظام الحكام الآن إعادة حساباته سريعا للرجوع إلى المربع الأصلى، حيث الاستفتاءات والانتخابات (فى تقديرى أننا فى لحظة ما سنكون مضطرين إلى استفتاء الشعب على مسار 3 يوليو) والبحث عن حلول سياسية لا أمنية للتعامل مع الأوضاع المعقدة على الأرض مع ضرورة كف هيستريا الماكينة الاعلامية الضخمة التى تروج فى معظمها لأفكار فاشية واقصائية تعبر عن انحيازات سلطوية فجة، أما قادة الرأى العام المصرى من إعلاميين وشخصيات عامة وأكاديمية فعليهم إدراك أن الأرض ليس كما تنقلها الصورة.

وأن التاريخ لن يقف عند مؤسسة أو شخصية أو تيار مهما بلغ الايمان به أو الرهان عليه. لا تحتاج مصر فى هذه الأيام الضمير أو الأخلاق أو الشعارات أو التفويض أو الحروب لكنها تحتاج إلى مجرد هدنة لإعادة الحسابات والاستفاقة من هيستريا قومية اصابتها ولا نعرف أين ولا كيف ولا بأى ثمن ستتخلص منها.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر