تدفع بلدان العالم الثالث اليوم ثمن نهب ثرواتها فى الحقبة الاستعمارية، وفساد أنظمتها فى سنوات ما بعد رحيل الجيوش المستعمرة، حيث تقف تلك البلدان فى طابور انتظار طويل للحصول على واحد من اللقاحات التى طورتها شركات عالمية تنتمى فى غالبيتها لدول الغرب المتقدم للوقاية من فيروس كورونا.
اليوم ينتظر الفقراء نظرة عطف، وجرعة إحسان من بلدان تعطى أولوياتها فى الوقت الراهن لتحصين مواطنيها، قبل أن تلقى بفتات ما يزيد عن حاجتها لباقى المحتاجين من مجتمعات تعانى تفسخا سياسيا واقتصاديا بفعل حروب واضطرابات تلبى رغبة الدول الكبرى فى إعادة ترتيب الخريطة الدولية على مقاسها، ووفق مصالحها.
ظل العالم منذ بدء تفشى فيروس كورونا، القادم من الصين قبل عام تقريبا، ينتظر ضوءا فى آخر النفق، عل البشرية تخرج من حالة شبه الموت الاجتماعى التى فرضها الوباء على سكان كوكب الأرض، بحظر التجمعات، وارتداء الكمامات، وغسل الأيدى المتكرر بالماء والصابون، والتشكك فى الغرباء، وعندما ظهرت بادرة الأمل بالتوصل إلى عدد من اللقاحات التى اجيز استخدامها، ها نحن أمام الحقائق: من طور المصل ليس كمن ينتظر الحصول عليه حسب شروط المطور.
وبعيدا عن مطالبة منظمة الصحة العالمية، بإتاحة اللقاح أمام دول العالم بنوع من العدل، فإن الفارق الزمنى بين الدول التى توصلت شركاتها للمصل الذى ينتظر أن يحصن متلقيه من الإصابة بفيروس كوفيد ــ19، وتلك التى لم تملك الإمكانيات المادية والبشرية للتوصل إليه، لن تقل على ستة أشهر فى المتوسط، وهى مدة كافية لإصابة المزيد من الناس فى تلك البلدان وغالبيتها تتواجد فى القارة الأفريقية.
الوضع بمثابة درس للمجتمعات التى امتلكت القدرات المالية والبشرية للانخراض فى مسيرة البحث العلمى، لكنها فضلت الاستثمار فى إلهاء شعوبها باللعب فى أزقة وحوارى العوالم لا العلماء، فهجرتها العقول بحثا عن ملاذ آمن فى بلدان أخرى تحسن الاستفادة منها وقت المحن والشدائد، وتجيد توظيفها فى المكان اللائق لخدمة بنى البشر.
هل نلوم الغرب، أو أى بلد يرفع لافتة «لا جرعات من اللقاح للغير قبل تحصين مجتمعى؟»، ألا تتحمل بعض البلدان المسئولية عن عدم أعداد مجتمعاتها للتعامل مع نوائب الدهر التى تنتظرهم، وخاصة الأمراض والأوبئة؟، المؤكد أن بعض الأنظمة والحكومات، خاصة فى العالم الثالث، فى موقف لا تحسد عليه الآن، وهى تنتظر كرم الأقوياء بالجود عليها ببعض جرعات من لقاح كورونا، أو السماح لها بانتاجه فى بلدانها.
وبالضرورة فإن الدول ذات الدخل المنخفض (الفقيرة) وحتى بعضا من المتوسطة الدخل لا تملك رفاهية المفاضلة بين هذا اللقاح أو ذاك فى بعض الأحيان، فعليها الحصول على اللقاح الذى يهبه الآخرين إليها، وعلى شعوب تلك البلدان أن يحمدوا الله أن أنعم عليهم الكبار بنتاج عقولهم وسواعد أبنائهم، فالعالم وقت المحنة ليس قرية صغيرة، بل غابة موحشة البقاء فيها للأقوياء.
هذا ليس تقريعا للكبار والأقوياء، بل لوما لمن ناموا لسنوات فى سبات عميق، لا يلتفتون لما يحدث من حولهم من تطور، وآثروا النوم فى العسل، على العمل الدءوب وتسليح شعوبهم بالأنظمة التعليمية المتطورة، والمؤسسات الصحية الفاعلة التى يجب أن ترصد لها الميزانيات الضخمة، لا التحايل على اقتطاع مخصصاتها لصالح مجالات يكون عائدها ومردودها على البشر فى أدنى المستويات.
الدروس المستفادة من جائحة كورونا، والتنافس بين الكبار للوصول إلى أمصال تحصن، وعقارات تعالج المرض، عديدة ولا يمكن التفريط فيها لمن يريدون لشعوبهم الصمود فى معركة الحياة، والبقاء على وجه الكوكب سالمين.