تداعيات تصعيد الحملة الإسرائيلية على رفح الفلسطينية - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:35 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تداعيات تصعيد الحملة الإسرائيلية على رفح الفلسطينية

نشر فى : الأحد 19 مايو 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الأحد 19 مايو 2024 - 7:10 م

دق ناقوس الخطر على حدود مصر الشرقية بعد اقتحام القوات الإسرائيلية لمدينة رفح الفلسطينية. وأصبحنا على بعد شعرة من تحول جذرى «قد» يحل بالمنطقة. وبالرغم من استبعاد أن تؤدى الانتهاكات الإسرائيلية للمعاهدة لاسيما اقتحامها المنطقة «د» ومحور صلاح الدين فى رفح إلى جرجرة مصر للدخول فى مواجهة مسلحة، فإن الاحتمال مازال قائما بأن تعود فجأة المنطقة للحالة التى كانت عليها على مدار ثلاثين عاما قبل معاهدة كامب ديفيد، حيث كانت المواجهات فى تلك الحقبة بين إسرائيل والدول العربية، وبعدها أصبحت المواجهات بين إسرائيل وفصائل المقاومة العربية على اختلاف بلدانها. وبالرغم من أن التحديات التى ستنجم عن هذا التغير لا حصر لها، نكتفى فى هذا المقال باستعراض أربعة منها.

•  •  •

أول التحديات عن ترتيب المنطقة؛ فكل ما نراه من ترتيبات إقليمية فى الشرق الأوسط هى نتاج مسار كامب ديفيد. ومع انهيار الاتفاقية يعود سؤال عن طبيعة العلاقات بين مصر وإسرائيل. وإذا كانت الإجابة فى الوقت الراهن تحددها المصالح المتشابكة، فإن الإجابة ستختلف بمرور الوقت عندما تتراجع أهمية تلك المصالح، لاسيما عندما يزيد معها مستوى المخاطر والتهديدات. والمثال الأبرز لتراجع المصالح يدور حول الغاز الطبيعى. فإذا وجدت إسرائيل البديل لتصدير الغاز الإسرائيلى للأسواق بدون الاعتماد على البنية التحتية المصرية من خطوط أنابيب لنقل الغاز، ومحطات الإسالة، واستغنت مصر فى المقابل عن اتفاقية الكويز التى تدعم صادرات الملابس الجاهزة المصرية للولايات المتحدة، فسيتراجع تأثير القوة الاقتصادية الاجتماعية متشابكة المصالح فى الدولتين التى تدافع عن استقرار العلاقات.

أما المثال الأبرز لتفاقم المخاطر يدور حول سيناريو التهجير لأهالى غزة إلى سيناء، والذى تحول من مجرد أوهام فى مخيلة اليمين الإسرائيلى، إلى خطط تتولى حكومة الحرب الإسرائيلية تنفيذها. وتحفز هذه المخاطر مصر وتضعها على أهبة الاستعداد من قبل انهيار اتفاقية كامب ديفيد. فالتهجير معناه تصفية القضية الفلسطينية على حساب المصالح المصرية. وبناء على ذلك، يسقط حجر الأساس للترتيب الإقليمى، الذى بنى عليه الشرق الأوسط، ونعود لما قبل كامب ديفيد، وتنشط كل دولة لتغير الواقع الإقليمى لصالحها، حتى توازن أو تتغلب على المخاطر المتجددة.

•  •  •

ثانى التحديات عن السردية الجديدة، فلابد من الإجابة عن بعض الأسئلة التى تدور فى أذهان الناس عن طبيعة التغير الذى يجرى فى المنطقة بانهيار الاتفاقية. فهل انهيارها يعنى تلقائيا أننا فى حالة مواجهة مع إسرائيل؟، وعلى ماذا نواجهها؟، ثم ماذا نريد من تلك المواجهة؟ وهل نحن فى موقفنا الاقتصادى الراهن قادرون على تكلفة هذه السردية الجديدة، لاسيما وأن أجيالا من مصر دفعت أثمانا باهظة حتى وصلنا إلى استقرار دام لخمسين عاما؟.

وفى نفس السياق، ما هى طبيعة السردية الجديدة فى إسرائيل؟ هل يعتبر هذا الانهيار تقدما أم تراجعا فى وضع الدولة؟، وهل تصبح أكثر أمنا أم أكثر عرضة للمخاطر؟، وهل يبدو المستقبل مزدهرا أم قاتما؟ نلاحظ فى هذا المقام أن الناس ستستحضر سرديات تاريخية وتقحمها على المشهد إقحاما، منها مثلا أننا ذاهبون إلى «هرمجدون» أو معركة آخر الزمان، بكل ما يحمله كل طرف من أمنيات؛ إذ يتمنى اليمين الإسرائيلى تحقيق نبوءة النيل إلى الفرات وإعداد الأرض لظهور المسيح الحقيقى، بينما يتمنى اليمين المسيحى عودة السيد المسيح، أما اليمين الشيعى فيتمنى ظهور المهدى المنتظر. وكل هذا ينذر بأن انهيار الاتفاقية يفتح الباب لظهور الصراع الدينى ويملأ الفضاء السياسى بالمنطقة، فى ظل عجز وتراجع السرديات السياسية الوطنية فى التعامل مع تعقيدات المشهد الإقليمى.

•  •  •

ثالث التحديات عن الكوادر المؤهلة للتعامل مع واقع انهيار الاتفاقية، حيث يتعين على شاغلى الوظائف العليا فى الدولة التعامل مع واقع فرض عليهم فرضا بدون رغبة منهم. ففجأة تتحول الأولوية من النمو الاقتصادى، والتركيز على استكمال المشروعات، وتحسين سعر الصرف، وزيادة الدخل مع السيطرة على التضخم، إلى واقع آخر مختلف تسيطر فيه خطط التقشف على الاقتصاد مع زيادة التركيز على الجوانب الدفاعية، وبرامج الدعم الاجتماعى.

وفى ظل هذا المسار قد تفقد الدولة الكثير من الكوادر المرتبطين بالشركات دولية النشاط، وبحركة التجارة العالمية. وقد لا يسعف الوقت لإعداد كوادر جديدة للتعامل مع الواقع الجديد الذى يحتاج إلى بنية فكرية وذهنية مختلفة، تستطيع الإفلات من الانكماش المالى، ومنع الانفصال عن العولمة الاقتصادية، أو سلاسل الإمداد العالمية، وفى نفس الوقت تستطيع تقوية البدائل، والاستفادة من تجارب دول مثل روسيا التى استطاعت الفكاك من العزل عن النظام المالى العالمى منذ حرب أوكرانيا 2022، أو دول مثل الجزائر التى انعكفت على نفسها لتقوية اقتصادها استنادا على مواردها الذاتية.

•  •  •

رابع التحديات هو العلاقة مع القوى الكبرى. وهنا إشكالية مزدوجة، فمن ناحية، ترسخ فى ذهن أى صانع قرار مصرى أو عربى، بأن الولايات المتحدة لا تنفصم عن إسرائيل، مهما فعلت الأخيرة. وبالتالى، الضمانة الأمريكية لكامب ديفيد ليست ذات مصداقية عالية، لأن الولايات المتحدة لن تكبح إسرائيل عن فعل أى شىء. ومن ناحية ثانية، يسود توجس أو شك فى مسألة العالم متعدد الأقطاب، حيث يتحسب كثير من المسئولين من مصيدة الديون الصينية والتى توقع الدول النامية فى القبضة الصينية. كما تتحسب دول كثيرة من الانحياز الصريح والتعامل المفتوح مع روسيا لأن ذلك يضع أى دولة تحت طائلة العقوبات الغربية.

وفى هذا السياق، تخشى أى دولة من الوقوع ضحية لتفاعلات خطرة بين الدول الكبرى لأن تبعات هذا الموقف باهظة التكاليف. ولقد مرت المنطقة العربية عموما ومصر خصوصا بهذه التجربة من قبل، وإذا عدنا إليها الآن فى ظل عصر العولمة الرقمية الذى نعيش فيه، فإن تكلفتها ستكون أعلى بكثير مما كانت فى السابق. وأبسط مثال، نتخيل ماذا سيكون رد فعل الشباب فى مصر لو حجبت شركات الاتصالات الأمريكية تطبيقاتها عن مصر، لاسيما منصات التواصل الاجتماعى، أو تطبيقات متجر آبل؟!

•  •  •

هل معنى ذلك أن الاتفاقية صامدة مهما كان السلوك الإسرائيلى؟ أغلب الظن ستصمد الاتفاقية مؤقتا لأسباب منها؛ أن صانع القرار الإسرائيلى يرى أنه سمح لمصر بالعمل فى المنطقة «ج» فى سيناء لمحاربة الإرهاب، فلماذا تعترض مصر عندما تفعل إسرائيل الأمر نفسه فى المنطقة «د»؟!. وبالرغم من الفوارق الهائلة بين محاربة مصر للإرهاب وبين إبادة إسرائيل للشعب الفلسطينى المحاصر فى رفح، فإن إسرائيل اكتفت بالتوافق مع الولايات المتحدة على أن دخول رفح لن يؤدى لانهيار الاتفاقية. ولكن هذا التوغل الإسرائيلى داخل ممر صلاح الدين والسيطرة على معبر رفح يفتح الفرصة للتهجير من شمال المعبر فى المنطقة الرخوة أو عن طريق البحر، لأن جيش الاحتلال الإسرائيلى يدفع المحاصرات والمحاصرين لتلك المنطقة. وكلما طال أمد العملية كلما اقتربنا من انهيار الاتفاقية.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات