«العقل التكفيرى» - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«العقل التكفيرى»

نشر فى : الإثنين 19 ديسمبر 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الإثنين 19 ديسمبر 2016 - 11:00 م
عند كل عملية إرهابية تلجأ إليها الجماعات التكفيرية، لزعزعة الاستقرار، والدفع باتجاه الفتنة الطائفية بهدف تغيير الواقع بالقوة المسلحة، وترهيب المجتمع، يبرز السؤال القديم الجديد: من أين يأتى كل هذا العنف، ما هى أسبابه ودوافعه، وما هى الأسس والوسائل التى تستخدمها الجماعات التى تتبنى العنف والإرهاب طريقا، للتأثير على البعض للقيام بعمليات انتحارية، يفجر فيها الشخص نفسه على غرار ما وقع فى الكنيسة البطرسية؟!

طبعا هناك اجتهادات عديدة، ودراسات وأبحاث خاضت فى هذا الأمر منذ بداية لجوء الجماعات الدينية إلى سلاح العنف والإرهاب لفرض وجهة نظرها على المجتمع وخاصة فى مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، بقتل الرئيس الراحل أنور السادات، وما حدث فى أسيوط، وصولا إلى الواقع المعاش، وما نتابعه من عمليات قتل وتدمير تلت ثورة 30 يونيو وحتى الآن.

وضمن الدراسات التى تحاول أن تقدم تفسيرا وتحليلا عميقا لظاهرة العنف والإرهاب لدى الجماعات الدينية، تحتل الدراسة التى أجراها عالم الاجتماع الدكتور شحاتة صيام، وضمها كتابه «العقل التكفيرى.. من التشدد إلى ما بعد المراجعات»، أهمية بارزة فى إطار الوصول إلى فهم أكثر عمقا لأسباب ودوافع الجماعات التكفيرية، فى استخدام العنف طريقا لتحقيق أغراض «دنيوية» لا «دينية» وإن غلفتها بإطار دينى.

عبر ثمانية فصول زاخرة بالبحث والتحليل، حاول دكتور صيام الوقوف على أسباب ارتباط العنف بـ«الجماعات الإسلامية»، وتقديم نموذج نظرى للعنف التكفيرى، حيث أرجع لجوء هذه الجماعات إلى العنف لفرض «نوع معين من التدين» فرضته مجموعة من الحوامل الثقافية حدده فى أربعة عوامل رئيسية، أولها «الفهم المتحجر للقيم الدينية» التى تتحول من «مصدر رحب ومتسامح، إلى آخر غليظ ومتشدد ومنفر ويقود إلى الإكراه والاعتداء والقتل والتعسف».

العامل الثانى، يقول د.صيام، يتمثل فى التعصب لأفكار وقيم الماضى، إذ وفق القناعات الجامدة والتعصب الأعمى والتصورات الضيقة التى تعتمد على النقل لا على العقل، يصبح المناخ مهيأ للفتك بالذات وبالآخرين على مختلف الأصعدة الفكرية والبدنية».

أما العامل الثالث فيتمثل فى «الانغلاق والتشدد الفكرى الأمر الذى يجعل عملية إقصاء الآخر أمرا محتوما، ومن ثم ينسف كل سبل الحوار، ويصيغ الفضاء الفكرى بصفة متشددة».

ونأتى إلى العامل الرابع والأخير فيتحدد «فى البحث عن دور» وهو ما جعل تلك الجماعات التى كانت تأخذ موقفا مضادا من العمل السياسى فى الثمانينيات، تعدل عن هذا الموقف بعد اعتلاء الإخوان سدة الحكم، فى إطار عملية جنى الثمار والمنافع.

إذن نحن بصدد إناس «يستخدمون لا وعيهم فى الحكم على الواقع المعيش»، وهو الذى يوجه تصرفاتهم ويفسر هوسهم بالتراث وأمجاد الماضى الذى يتحول منسوبيهم إلى قنابل موقوتة ضد كل مفردات المجتمع.

صحيح إن «العنف من الظواهر القديمة التى ارتبطت ببدايات التاريخ منذ هابيل وقابيل»، غير أن عظم الشرور والأحداث التى يفجرها العنف الدينى، حسب صيام، يجعل المجتمع فى مهب الريح، ويمنى بخسائر بشرية ومادية»، كما أن مسلك الجماعات الدينية الذى يزيد من سكب البنزين على النار يوما وراء آخر» «يجعلها تسقط فى اللامعقول واللاشرعى» و«تطلق العنان للغرائز التى تضبط الأذى وتؤجج إباحة الدم من أجل غرض دنيوى».

ولا يكتفى صيام بتحليله للأسباب التى تصنع «العقل التكفيرى»، إذ يقدم فى دراسته سجلات بوقائع العنف والإرهاب فى الفترة الممتدة من نوفمبر 2012 وحتى ديسمبر 2013، لوضع قارئه فى أجواء تساعد أكثر على فهم ما يدور، وتبرهن بما يدع مجالا للشك أننا أمام جماعات تسعى للهدم، وتهرب من البناء، من دون إغفال للأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى كانت سببا فى ظهور «العقل التكفيرى» وليس «التفكيرى».

 

التعليقات