نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب «محمد عارف»، تناول فيه رأى بعض الباحثين الدوليين حول تأثير الجائحة على العلاقات الدولية، وتنوعت الآراء بين من يرى من جانب أن الاتجاهات الاقتصادية العالمية ستتجه نحو العولمة الصينية مبتعدة عن العولمة الأمريكية، ومن يرى على الجانب الآخر أن الدول ستتجه إلى زيادة سلطتها على رعاياها وستصبح أقل انفتاحا وحرية... جاء فيه ما يلى:
يثير الدهشة اختلاف الباحثين المختصين بالشئون الدولية، فى توقع ما ستحدثه جائحة «كوفيدــ19» فى العالم، «ستيفن وولت» أستاذ العلاقات الدولية فى «جامعة هارفرد»، يعتقدُ أن «العالم سيصبح أقل انفتاحا، وأقل رفاهية، وأقل حرية»، ويتوقع أن تعزز الجائحة سلطات الدول، وأن مختلف الحكومات «سوف تتبنى إجراءات طوارئ لمواجهة الأزمات، وسيأنف كثير منها من التخلى عن هذه الإجراءات الجديدة بعد زوال الأزمة». ويذكر «وولت»، أن الجائحة تضطر الآن الحكومات والشركات والمجتمعات، إلى تعزيز قدراتها لمواجهة فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية، «وستُسرع الجائحةُ تحول القوة والتأثير من الغرب إلى الشرق، ويكسف بطء وارتباك استجابة أوروبا وأمريكا صورة الغرب».
«هل انتصرت الصين؟»، كتاب الباحث الأكاديمى السنغافورى «كيشور ماهبوبانى»، وفيه يذكر أن جائحة «كوفيدــ19» لن تغير بشكل أساسى الاتجاهات الاقتصادية العالمية، بل ستُسرِع فحسب التغير الذى بدأ فعلا، وهو الابتعاد عن العولمة الأمريكية المركز إلى عولمة أكثر تمركزا حول الصين، وفقد الأمريكيون فى هذا المنعطف التاريخى إيمانهم بالعولمة حتى قبل تولى ترامب الرئاسة، فيما أقبلت الصين على العولمة فى الوقت والموقع الملائمين تاريخيا، عقب عقدين من انبعاث اقتصادى مرتبط بالعولمة.
ومقابل هذا التشاؤم «نرى فى كل بلد قوة الروح البشرية»، قال ذلك «نيكولاس بيرنز» الأستاذ فى معهد كنيدى بجامعة هارفرد، ويذكر بيرنز أن جائحة كوفيدــ19 تهدد كل شخص من نحو 8 مليارات إنسان يعيشون فى العالم، ويفوق تأثيرها الأزمة المالية التى أعقبت «الركود العظيم» مطلع القرن الماضى، وقد تُسبب صدمة زلزالية تحدث تغيرات دائمة فى النظام العالمى، وتوازن القوى، وهذا فى تقديره يمنح الأمل فى أن تتغلب ردود أفعال الرجال والنساء حول العالم على هذا التحدى غير المسبوق.
وسرعان ما تحققت توقعاتُ الباحث «عندما هرب أغنياء نيويورك، وحافظ العاملون على استمرار الحياة فيها»، وهو عنوان تقرير «نيويورك تايمز»، الذى رصد كيف واصل سكان حى «برونكس» العمال عملهم، بينما لزم أهل نيويورك منازلهم، وأول من خرج للعمل هم العاملون فى الرعاية الصحية، وعمال البناء، وأعقبهم سائقو شاحنات تجهيزات السلع المنزلية، وبوابو العمارات، وأصول معظم هؤلاء إفريقية وإسبانية، وقد قال عنهم «روبن دياز»، رئيس الحى: «هؤلاء مُجندون وضعناهم فى الخطوط الأمامية دون ذخيرة، ولا معدات لقتال العدو».
ورأيتُ ذلك بنفسى مع ممرضات قسم طوارئ مستشفى «كنجستن» جنوب لندن، كان قلق أهل منزلى على وضعى الصحى بسبب نوبة سعال، قد دعاهم إلى استدعاء طبيب الطوارئ، الذى أمر بنقلى إلى المستشفى، ليس قلقا على وضعى الصحى، بل على أهلى القلقين، وهناك كان على طمأنة الممرضات أنى بأحسن حال، وخجلتُ من رعايتهن الشديدة، ومعظمهن نساء ملونات يحتجن الرعاية أكثر منى، فى ظروف عملهن السيئة الناجمة عن إهمال حكومات بريطانيا المتعاقبة خدمات الرعاية الصحية العامة، وحزنتُ لظروف عملهن الخطرة ساعات، وهن ملفعات بأردية طبية، وأقنعة، وقفازات، وبذلتُ جهدى لطمأنتهن أننى بأحسن حال، وسألتهن فحصى للتأكد من ذلك، وأجرين الفحص الخاص بالإصابة بفيروس كوفيدــ19، وأخبرننى بأن النتيجة ستكون جاهزة بعد ثلاثة أيام، واتصلت الممرضة هاتفيا مبتهجة بإبلاغى نبأ سلامتى، وابتهجتُ مرتين، لها ولنفسى.
وعندما تنطلق قوة الروح البشرية لملايين الناس فى شوارع عواصم العالم، تنشأ جائحة كبرى يستحيل توقع مسارها، ومَن توقع ما يطلقه مقتل الإفريقى الأمريكى «جورج فلويد»، ليس فى مينيابوليس، حيث قُتل، بل أينما يُقتل سود وملونون وعرب أيضا، يزداد ذكرهم فى التقارير العالمية! واليوم يعادل عدد ضحايا الجائحة السود والملونين فى بريطانيا أربعة أضعاف السكان الآخرين، حسب الإحصائيات الرسمية، والتظاهرات فى عواصم الغرب، بداية جائحة تطيح بقايا إمبراطوريات تواصل حتى اللحظة قتل وتهجير ملايين الناس فى أفغانستان، والعراق، وسوريا، وليبيا، والجزائر، وفلسطين.