خلال سنوات تجاوزت الأربعين، بقى الشعب المصرى عصيا على التطبيع مع العدو الإسرائيلى.. ذهبت حكومات، وجاءت أخرى.. فى لحظات التوتر، وفى أوقات الوئام على صعيد العلاقات الرسمية بين القاهرة وتل أبيب، ظل الشارع المصرى رافضا لأى تعامل مع كيان غاصب محتل، كان، ولا يزال، سببا فى خراب المنطقة، وتدهور أحوال شعوبها.
هذا الموقف الصلد الذى يتخذه المصريون نتاج وعى تراكم تحت جلود ابناء الشهداء، واحفاد من زهقت أرواحهم غيلة وغدرا فى غارات إسرائيلية على المدارس والمصانع والبيوت الآمنة فى بحر البقر، وأبوزعبل، ومدن القناة، وبالتالى لم يهرول المصريون إلى احضان عدوهم لمجرد أن حكوماتهم اضطرات لتوازنات القوى، أو غياب الإرادة، إلى إقامة علاقات مع تل ابيب، بضغوط أمريكية لا تتوقف.
اتخذت النقابات المهنية والعمالية، ومؤسسات العلم والثقافة، وميادين الرياضة المصرية، مواقف وقرارات لا تزال ملزمة برفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلى، ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على ما يسمى معاهد السلام المصرية الإسرائيلية، لم يستطع إسرائيلى واحد النفاذ إلى الساحات الشعبية التى تلاحق كل من يحاول شق الصف أو فتح كوة فى الجدار المتين المعادى لإسرائيل.
ليس هذا فحسب، بل إن بعض من حاولوا اللعب فى هذه المنطقة على المستوى الفردى، سرعان ما لاحقهم العار فأصبحوا على ما فعلوا نادمين، ولا تزال بعض الأسماء، التى وقعت فى هوة التطبيع السحيقة، تتذكر الحملات الشعبية الشرسة التى واجهتها، فألزمتها التراجع والاعتراف بالخطأ، أو النبذ وبتر أوراقها الذابلة من شجرة الضمير المصرى الوارفة، والمحصنة اغصانها ضد السقوط فى بئر التطبيع المسموم.
يخطئ من يظن أن شهرة مكذوبة صنعت فى لحظات ضعف، وتراجع، يمكنها حماية صاحب أعمال فنية قائمة على البلطجة وتشويه صورة السواد الأعظم من المصريين الذين يكافحون ليل نهار لتدبير لقمة عيشهم، والسعى الحثيث للحفاظ على جوهر حضارتهم التى علمت البشرية معنى الإنسانية وكانت فجرا للضمير، فليس بعد الارتماء فى حضن العدو من عصمة، وليس بعد التطبيع من ذنب.
يزعم ممثل بنى شهرته على أعمال لا ترقى للانتساب إلى الفن المصرى الأصيل، وسيكون مآلها الهجر والنسيان مع الأيام، أنه «نمبر 1»، وتملكه الصلف والغرور، فتوهم أنه وبمثل هذه الأعمال الرديئة التى ما كان لها أن تنتشر سوى فى ظل تراجع الذوق العام، يمكنه الجلوس على القمة، لكن باحتضانه المغنى الإسرائيلى فى الإمارات، أعاد التأكيد على كونه «نمبر زيرو»، وهذا هو تقييمه الحقيقى.
وفى خضم الضربات المتلاحقة التى جاءته من كل حدب وصوب جزاء وفاقا على احتضانه المغنى الإسرائيلى، وعقب الإمساك به بالجرم المشهود، سارع إلى خلط الأوراق، ونشر فيديو عبر حسابه الشخصى بموقع تبادل الصور والفيديوهات الشهير «انستجرام»، قبل أن يحذفه، قال فيه: «لا يهمنى اسمك ولا لونك ولا ميلادك يهمنى الإنسان ولو ملوش عنوان»... نعم يهمنا جميعا الإنسان، عندما يكون إنسانا، وليس غاصبا محتلا معتديا قاتلا للأطفال وباقرا لبطون النساء والعجائز.
من احتضنته وتفاخرت بلقائه مع مضيفك الإماراتى فى الصورة المتداولة، هو ابن كيان اغتصب أرضك، وقتل أجدادك الذين لم يكن منهم قاتل مأجور، ولا معتد على الغير بلا وجه حق، ودع مستشاريك، إن كانوا ليسوا على شاكلتك، يعلمونك تاريخ مصر التى طالما كانت عنوانا للحق والخير والجمال، ولم يخرج جيشها يوما إلا دفاعا عن القيم النبيلة واسترداد الحقوق، ونصرة الضعفاء، فلا تلعب بجهل بأوراق تجلب الخزى والعار.