عرب وغرب - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:38 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عرب وغرب

نشر فى : الإثنين 25 فبراير 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : الإثنين 25 فبراير 2019 - 11:50 م

نقطة فوق حرف تفرق بين كلمتين يحوى وعاء كل منهما عالما مختلفا وتختزلان تاريخا من التواصل الحضارى حينا والتصادم الخشن والعنيف وصل فى بعض احيانه حد القتل والدمار، وخلف جروحا غائرة من الحروب لايزال مفعولها قائما وإن تجمل الطرفان بلغة دبلوماسية ناعمة فى بعض المحطات بفعل الجغرافيا التى فرضت على العرب والغرب جيرة لم تكن أبدا بالاختيار.
دخل العرب أوروبا يوما فاتحين، وأقاموا دولة الحلم فى الاندلس التى لا يزال بعض احفادهم يتباكون على ضياعها حتى الآن، وحمل الغرب الأوروبى سيف الغازى المحتل تحت راية الصليب تارة، وأخرى لبسط النفوذ والنهب المنظم لثروات الشعوب لسنوات طوال، قبل أن يحمل عصاه ويرحل أمام موج مد عربى أجبره على التراجع حينا من الدهر، قبل أن يعود المستعمر بثوب جديد.
مئات من السنين شكلت فيها العلاقة بين العرب والغرب نموذجا للصراع والشقاق، يلعب فيها الغرب دور المبادر، ويكون العرب فيها اصحاب رد الفعل، والتاريخ خير شاهد على المحطات التى دفعت فيها الأرض العربية الثمن وسددت فواتير حتى صراعات الأوروبيين بعضهم البعض، وربما الحرب العالمية الثانية العنوان الأبرز فى هذا المضمار.
لم يبادر العرب إلى تقسيم وحدة البلدان الأوروبية، ولم يصنعوا سايكس ــ بيكو، ولم يحتلوا بلدا أوروبيا واحدا فى تاريخهم الحديث، ومع ذلك كانت البلدان الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا خير معين للصهاينة لاحتلال فلسطين، ولعل ما حدث فى العراق ويحدث فى سوريا وليبيا استمرار لنهج يستهدف انهاك واضعاف العرب وتعطيل انعتاقهم من هوة التخلف التى تسبب الغرب نفسه فى جانب منها.
اليوم يلتقى العرب والأوروبيون فى أول قمة تجمع مؤسستى الجامعة العربية والاتحاد الاوروبى معا، تحت شعارات التعاون، ومواجهة التحديات التى تستهدف مستقبل الكيانين، وفى ظل تصريحات متفائلة لإخراج المنطقة العربية من حالة عدم الاستقرار التى تمر بها، وتساعد الأوروبيين على تقليل تداعياتها السلبية عليهم، بعد أن عصفت ببعض بلدانهم موجات هجرة عاتية، وعمليات إرهابية غادرة.
قبل القمة وخلالها، شكل الإرهاب والهجرة غير الشرعية هاجسا للأوروبيين، ومثل دعم الإرهابيين وتوفير ملاذات لهم فى بعض البلدان، هما عربيا، غير أن السعى إلى «تعزيز الشراكة الأوروربية ــ العربية ومعالجة التحديات العالمية معا»، كان العنوان العريض لقمة شرم الشيخ التى التقى فيها ملوك ورؤساء دول وحكومات 50 دولة عربية وأوروبية .
حرص القائمون على أعمال القمة على إبراز وجهة التعاون والتلاقى، وتقليص حجم الخلافات فى هذا الملف أو ذاك، وتحدث تقرير لمجلس الوزراء المصرى عن ارتفاع 7% فى نسبة التبادل التجارى بين العرب والأوروبيين، بلغت قيمته 315.9 مليار يورو عام 2017، وارتفاع فى الصادرات العربية إلى الجانب الأوروبى 20% بقيمة 121.9 مليار فى العام ذاته.
كما تحدث مسئولون كبار فى الاتحاد الاوروبى عن رغبة صادقة فى الانطلاق من قمة شرم الشيخ، إلى قمم أخرى تعقد دوريا فى دولة أوروبية تارة وعربية تارة أخرى لتعزيز العمل المشترك «كبداية لتاريخ جديد للعرب والأوروبيين»، على حد قول إيفان سوركوش، سفير الاتحاد الأوروبى لدى مصر.
لا أحد يسعى للصدام وتفجير الصراعات والحروب التى تدفع فيها الشعوب الثمن الفادح للخراب والدمار، والمؤكد أن أى عاقل لا بد وأن يرحب بالتقارب والتفاهم بين البشر بعضهم البعض، غير أن أى تقارب والتقاء يجب أن يكون على أسس الاحترام المتبادل، وعدم الاضرار بمصالح الآخرين، وأن تكون النيات خالصة، لا تعرف منطق العملة ذات الوجهين التى تظهر وجها وسيما حينا، وتخفى القبح إلى حين.
الجغرافيا تحتم على العرب الالتقاء والتقارب مع جيرانهم الأوروبيين، غير أن هؤلاء الجيران عليهم أن يقدموا عرابين محبة فى العديد من الملفات التى يعلمونها جيدا، ولم تكن أيديهم العابثة بعيدة عن خلط أوراقها، وفى مقدمتها ورقة الإرهاب البغيض، حتى ترسم العلاقة بين الطرفين الخط المستقيم.

التعليقات