الكاهن وقمح الفرعون - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكاهن وقمح الفرعون

نشر فى : الإثنين 25 يوليه 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الإثنين 25 يوليه 2016 - 11:00 م

حفظت لنا البرديات المصرية وجدران المعابد والمقابر، الكثير من القصص والحكايات عن أحوال المصرى القديم، بحلوها ومرها، وسجلت لنا روايات تعد علامات على كيفية توارث الأجيال الإيجابيات والسلبيات كابرا عن كابر، طبعا ايجابيات الفراعين يعلمها القاصى والدانى بما تركوه من آثار تدل على مدى تقدمهم فى العلوم والفنون، وكيف برعوا فى فن النحت، وبناء المعابد، ولعل الأهرامات خير شاهد ودليل.
لكننا هنا لن نختال فخرا بحضارة لم يبق منها حاضرا إلا شواهد على براعة أنامل وعقول صناعها، بقدر ما سنعرض لجوانب حفظتها على ما يبدو جينات المصرى الأصيل، وراحت تتناقلها من جيل إلى جيل، بحيث يمكننا الرجوع إليها إذا التبس علينا أمر جذورنا، ومدى علاقتنا بأجدادنا العظام من الفراعين.
فقد حملت احدى البرديات المؤلفة من عدة أوراق تعود إلى عصر الملوك الرعامسة، شكوى ضد عدد من الأشخاص يتقدمهم كاهن بمعبد الإله «خنوم» يدعى «بنعنقت»، وضابط سفينة ملكية يدعى «خنوم نخت»، تتهمهم بقائمة طويلة من الموبقات، بينها السرقات والاعتداء على الأعراض والابتزاز والرشوة، لكن أهم ما لفت نظرى سرقتهم لمخازن القمح أو «الشون» الخاصة بمعبد الإله «خنوم» بإلفنتين، وهى أسوان حاليا.
وفقا لما جاء فى موسوعته المهمة «مصر القديمة» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يقول عالم المصريات الأشهر سليم حسن: «كان لمعبد الإله خنوم بعض أرض تزرع غلة فى الإقليم الشمالى (الدلتا)، وكان مزارعو هذه الأرض تابعين لمعبد خنوم ويدفعون عنها ضرائب سنوية للمعبد تبلغ سبعمائة حقيبة من الحنطة، وكانت هذه الحنطة تجمع وتحمل على النيل إلى (إلفنتين) بواسطة ضابط سفينة مات فى السنة الثامنة والعشرين من حكم رعمسيس الثالث، وعلى إثر ذلك حل محله أحد كهنة معبد آخر يدعى خنوم نخت».
والظاهر «يقول حسن» إن هذا الرجل بقى يؤدى عمله بأمانة المدة الباقية من عهد «رعمسيس الثالث»، ولكن فى السنة الأولى من مدة خلفه رعمسيس الرابع، أخذ يختلس مقادير عظيمة من الشعير بتغاضى الكتاب والمفتشين ومزارعى معبد «خنوم»، والظاهر أيضا أن بعض رجال السفينة، التى كانت تتولى نقل الغلال، كانوا مشتركين فى الخيانة».
ووفقا للبردية التى سجلت الوقائع على شكل شكوى، فإن قائمة الاختلاسات فى كل سنة حتى السنة الثالثة مع عهد الفرعون رعمسيس الخامس، بلغت 5724 حقيبة من القمح، وضمن قائمة الاتهامات أن ضابط السفينة المذكور استحل لنفسه مائة حقيبة سنويا من الشعير الذى يورده لمعبد «خنوم»، شخصان هما «رمع» و«بوخد».
وفى القسم الذى يعالج السرقات فى عهد الرعامسة، يلفت النظر إلى أن كاتب الخزانة المسمى «منتو حر خبشف» الذى كان أميرا بالنيابة لمقاطعة إلفنتين كان نفسه مرتشيا، وفى موضع آخر نجد «أن مفتشى المعبد قد اتهموا بالرشوة».
والعجيب أن المجرم الأول الذى وجهت إليه غالبية التهم بالاختلاس والرشوة وحتى الزنا، وهو الكاهن «منعنقب»، كان وفق حسن «مثالا غريبا للمحتال المصرى القديم، ولحسن الحظ قد بقى اسمه ليدون فى فن الجرائم».
والخلاصة أن ما جاء فى هذه البردية يضع، وفقا لموسوعة حسن، أمامنا «صورة حية عن انتشار الرشوة وفساد الأخلاق وانحلال أداة الحكم فى أنحاء البلاد كلها، وبخاصة بين رجال الدين الذين ضربوا الرقم القياسى فى ارتكاب الآثام وأشركوا معهم الموظفين الآخرين».
ويختتم بقوله: «ولا غرابة إذن فى أن نرى فيما بعد أنهم لما خلفوا ملوك الرعامسة وتولوا زمام الحكم فى البلاد، لم يكن فى مقدورهم الاستمرار فى قيادتها إلا فترة وجيزة انتهت بضياع الملك من أيديهم، واستيلاء فئة أجانب غاصبين أقوياء انتهزوا فرصة ضعف البلاد وتدهورها فى عهدهم المنحل».. ولا تعليق.

التعليقات