استضاف تاكر كارلسون المذيع الشهير فى قناة فوكس نيوز، إيلون ماسك، المستثمر الرئيسى فى شركة أوبنــإيهــآى، والمالك الرئيسى لشبكة تويتر يوم 17 أبريل الحالى. وأجاب ماسك فى الحوار عن عدد من الأسئلة الشائكة بخصوص منصة تويتر، وتطبيق شات جى.بى.تى. وكشف عن أمور خطيرة، بعضها كان متوقعا مثل، غياب عنصر الخصوصية فى جمي الأمور المتعلقة بمنصات التواصل الاجتماعى، وأمور أخرى يخشاها الناس وهى مخاطر التطبيقات التى تعتمد على الذكاء الاصطناعى، مثل شات جى.بى.تى، وأثرها على شتى مناحى الحياة. ويبدو من حديث إيلون ماسك أننا بصدد نوعين من التحديات، فمن جانب، هناك الجانب التقنى للتطبيقات ولمنصات التواصل الاجتماعى، الذى «قد» نفهم بعض مخاطره ونتعامل معها بنجاح، لكن هناك جانب آخر غير مرئى يخص من يقود هذه الصناعة وهدفه منها.
• • •
بداية، لم يكن ماسك متحمسا لإتمام صفقة شراء منصة تويتر التى بلغت 44 مليار دولار، وتشكك فى القيمة الحقيقية للشركة. لكنه أتم الصفقة بسبب التبعات القانونية التى كانت ستلاحقه فى حال عدم إتمامها، لاسيما بعد اطلاعه على أدق أسرار الشركة. وبعد إتمام الصفقة، سرح ماسك 80% من حجم العمالة داخل الشركة، بحجة أنها عمالة زائدة بدون فائدة حقيقية. وشرح ذلك قائلا بأن الشركة تحتاج إلى عدد أقل من النشطاء مقارنة بالفنيين، فلقد كان فى الشركة لجان لمراقبة تغريدات كبار المسئولين مثل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، لمضاهاة تماشيها مع المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان.. إلخ، مما أدى لتحول المنصة إلى وسيلة لتكميم بعض الآراء وحجبها، مقابل بسط آراء معينة تتماشى مع معايير أو هوى اللجان. ولكن إزالتها لا تعنى بأن منصة تويتر لا تراقب الآن محتوى التغريدات، لاسيما ذات التفاعل الكثيف التى ينشرها المسئولون، وإنما عممت الشركة هذه الآلية وطبقتها على ذلك النوع من التغريدات لجميع المسئولين، بحيث تضع تصحيحا أو توضيحا للمعلومات غير الصحيحة أو المتجزئة أسفل التغريدة. الأمر الذى لم يأتِ على هوى الكثير من المشاهير من من يستخدمون المنصة.
قارن ماسك بين كثافة التغريدات السلبية مقابل الإيجابية، وعلق على ذلك قائلا بأن المنصة تروج للأخبار السلبية بأكثر من الإيجابية، مما يمثل ضغطا نفسيا على مستخدمى ومستخدمات المنصة. ولكن هذا ليس أمرا عفويا، وإنما انحرافا ترجحه الخوارزميات التى تستعملها المنصة. وأفصح ماسك عن مسألة «قد» نعرفها جميعا، فلم تكن منصة تويتر منصة للتفاعل وإنما منصة للاستخبارات، وهى ملعب مفتوح تتابع من خلاله أجهزة المخابرات عبر العالم ما تقوله الشخصيات الهامة، والقادة المؤثرون. أما الجزء غير المرئى للجمهور، باعتراف ماسك نفسه، هو اطلاع بعض أجهزة الاستخبارات على الرسائل الخاصة المتبادلة عبر ماسنجر تويتر. ولا يقتصر هذا الأمر على الاستخبارات الأمريكية، فهى ــ الرسائل ــ «غير مشفرة»، ويمكن اختراقها بسهولة. و«قد» لا ينحصر الأمر فى اختراق خصوصية مواقع التواصل، بل أحيانا تتعاون الشركات مالكة المنصات مع الأجهزة لتحقيق هدف مشترك. فلقد أوضح ماسك بأن مارك زوكربيرج، رئيس شركة ميتا، صاحبة منصة الفيسبوك، أنفق 400 مليون دولار على حملة الديمقراطيين فى الانتخابات الأخيرة، فهل هذا سلوك محايد لمالك أكبر منصة تواصل اجتماعى؟
ثم استعرض ماسك أحد المخاطر التى بدت تلوح فى الآفق عن ربط منصات التواصل الاجتماعى بتطبيقات الذكاء الاصطناعى. وشرح ماسك بأن تطبيقات مثل شات جى.بى.تى، يمكن تدريبها لتحاكى ما يكتبه المؤثرون فى منصات مثل منصة تويتر. وخلال مدة وجيزة يستطيع التطبيق تعلم نوعية التغريدات التى يستهويها الجمهور وتصنع «ترندا» أو تشهد تفاعلا كبيرا من مستخدمى ومستخدمات المنصة. ويتفوق هذا على عمل اللجان الإلكترونية التى نعرفها جيدا فى العالم العربى. فهذا تزييف للرأى العام. لذلك طالب ماسك أثناء الحوار إلى إخضاع تقنيات الذكاء الاصطناعى التى تؤثر فى الجمهور إلى مراجعة الهيئات الحكومية المتخصصة، بغرض تقنين استعمالها والحد من تأثيرها السلبى. وأعطى مثالا بهيئات حكومية تقوم بنفس الدور فى مجال الأغذية والمشروبات، والأدوية، والصحة العامة، إلخ. وأكد ماسك على أن شركات التكنولوجيا التى تنشأ وتدير المنصات والتطبيقات، معنية بالربح، وليست معنية بالاستقرار المجتمعى، لذلك لا بد من فرض تراخيص، ومعايير للمراجعة على تلك الشركات. وبدون ذلك سيصبح النت مثل شارع ملىء بالسيارات التى تسير بدون قانون، وحتى بدون رخصة قيادة.
• • •
إذا وصلت لهذه الفقرة من المقال، ووجدت نفسك متعجبا من كلام ماسك وهو من مؤسسى الشركة التى أنتجت تطبيق الذكاء الاصطناعى شات جى.بى.تى، فإليك بعض المعلومات التى كشف عنها فى اللقاء. لقد كان الداعى لإنشاء شركة أوبنــإيهــآى عام 2015 خلافا جرى بين ماسك وبين لارى بايج مؤسس محرك جوجل ورئيس شركة ألفابت مالكة محرك جوجل. فالأخير لم يكن أو مازال غير معنى بمسألة سلامة تطبيقات الذكاء الاصطناعى وأثرها على المجتمعات. وجرى حوار أصدقاء بينه وبين ماسك عن هذه المسألة، وتبين من الحوار أن بايج يريد تطوير العقول الرقمية والوصول إلى مستوى خارق من الذكاء الاصطناعى بدون الاكتراث للمخاطر. واستخدم مصطلح «صناعة إله رقمى» فى أسرع وقت. ومن ثم، انفصل طريق الصديقين وطور كل منهما منتجه المستند على الذكاء الاصطناعى بحسب ما يراه مناسبا.
اختار ماسك إنشاء شركة أوبنــإيهــآى بمعنى الذكاء الاصطناعى المتاح أو المفتوح، لكى يتيح للجمهور فهم ما تقوم به التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعى. حتى تفاجأ العالم بتطبيق شات جى.بى.تى وإمكانياته التى «قد» تحدث ثورة فى شتى المجالات. وفى المقابل، استحوذت شركة ألفابت على شركة ديبــمايند البريطانية عام 2014، وهى التى أنتجت برنامجا يحاكى بعض القدرات العقلية ويستطيع التغلب على أبطال فى ألعاب شبيهة بالشطرنج مثل لعبة «جو». هذا وشركة ألفابت، استحوذت على الغالبية العظمى من أمهر العقول التى تعمل فى مجال الذكاء الاصطناعى عبر العالم. ولدى الشركة رأس مال ضخم مخصص لأعمال تطويره، إضافة إلى إمكانيات مادية هائلة حيث تملك عددا كبيرا من أجهزة الحاسوب فائقة السرعة، مقارنة بأى شركة أخرى.
وكأن شركات التكنولوجيا العملاقة دخلت منذ عام 2015 فى سباق «تسلح» لتطوير الذكاء الاصطناعى، بدون أن ينتبه الساسة للأمر. ولقد كشف ماسك عن تراجع دوره فى شركة أوبنــأيهــآى مقابل تنامى دور شركة مايكروسوفت، وعن احتمال قيامه ببناء منصة ثالثة تنافس عملاقى التكنولوجيا، مايكروسوفت وجوجل. ويعلق تاكر كارلسون على الأمر، بأن مكمن الخطورة ليس فقط فى سيطرة الذكاء الاصطناعى على الشأن العام، بمعنى أنظمة العمل العام وسبل عمل الهيئات والوزارات.. إلخ، ولكن فى سيطرته على عقل المستخدم، عبر إقناعه بأن ما يقدمه التطبيق هو الأفضل. وكلما انبهر الناس بهذا النوع من الإنتاج المعرفى، كلما توسع استخدامه، حتى تداهم النتائج الساسة. ولذلك نرجو انتباه صناع السياسات، فمستقبل البشرية يزداد ارتبطا بالذكاء الاصطناعى أكثر مما نظن.