«على أرض فلسطين ما يستحق الحياة»، طالما أنبتت الأرض الفلسطينية المقاومين من أمثالك، فقد أثبتِ يا عهد أن البذرة الصالحة يأتى ثمرها ولو بعد حين.. ففى أسوأ لحظات الضعف والانكسار، خرجتِ من بين الصفوف، لتصفعى سارقى أحلامك بالغد الأفضل والحرية، لم تهابى جنود المحتل المدججين بأسلحة غشوم، ولم تتعللى بنقص فى القدرة والإمكانيات، فقط فعلتِ ما استطعتِ بقبضة يد، وكف صغير، ما أراق ماء وجه المحتلين فعادوا بليل لاعتقالك.
ثمانية أشهر يا ابنة التميمى، قضيتها خلف قضبان السجون الإسرائيلية، قبل أن تخرجى لتعانقى الحرية، وأنت أكثر إصرارا وعزما على مواصلة النضال الذى بات يخشاه بعض الرجال، ولأن «المقاومة مستمرة حتى إنهاء الاحتلال»، كما قلتِ فور وصولك إلى قريتك الصغيرة فى الضفة الأسيرة، وبمجرد معانقتك لأهلك، فليس هناك خوف على فلسطين وإن تعددت الصفقات، و«طالت القرون»، فالنصر بأمثالك قادم لا محالة، وإن كره المستسلمون.
قبل ثمانية أشهر، لحظة سلب المحتل الإسرائيلى حريتك، فى سعى خائب لكسر إرادتك، قلنا إن «عهد على العهد» ستكون دوما، فزيارتك لقبر الراحل العظيم ياسر عرفات «أبو عمار»، كانت ترجمة عملية، ودعوة صريحة، لما يجب أن يكون عليه الفلسطينيون، فالاتحاد، ورص الصفوف فى وجه ما يحاك لكل فلسطين، أرضا وشعبا، من دسائس ومؤامرات، يستدعى تعلم الدرس من هذه الصبية الصهباء أيقونة النضال الفلسطينى، ونبذ كل خلاف.
طبعا عهد التميمى لم تكن فى نزهة، وكما قالت فى المؤتمر الصحفى الذى عقدته فى قرية النبى صالح، مسقط رأسها فى الضفة الغربية المحتلة، وهى تتنفس هواء الحرية، إنها كانت تشعر بقلق كبير فى السجن من احتمال خسارة شهادة الثانوية العامة، المعروفة فى فلسطين بـ«التوجيهية»، لكنها «على العكس أكملت التوجيهى مع الأسيرات وقررنا أن نسمى الصف الذى ندرس فيه بـ«فجر التحدى»، لأننا استطعنا أن نتحدى إدارة السجن التى حاولت أكثر من مرة أن تغلق الصف وتعلن حالة الطوارئ وتعيدنا إلى الزنازين».
وتابعت عهد: «حاولت إدارة السجن بكل الطرق أن تمنعنا من التعليم لكن قدرنا أن نتحداهم ونواصل التعليم»، ولم يقف الأمر عند الثانوية العامة، حسب ما نقلته «سكاى نيوز عربية»، بل «استطاعت الأسيرات، أن يعقدن دورات فى مجال القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى حتى يتعلمن المزيد».
عهد التميمى ابنة السبع عشرة ربيعا تعلم بأن السجن مذلة وصعوبات، ولكن استطاعت ورفيقاتها الأسيرات «تحويل الصعوبة إلى مدرسة»، «فشكلت نموذجا للنضال الفلسطينى لنيل الحرية والاستقلال، كما قال الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» الذى استقبلها بمقر السلطة فى رام الله، وسط تأكيدها على أن «القدس ستبقى عاصمة فلسطين الأبدية» ودعوتها إلى «ضرورة ملاحقة إسرائيل على جرائم الحرب التى ارتكبتها فى حق الفلسطينيين».
حضورها الطاغى، فى المؤتمر الصحفى، وكلماتها الممتنة لمن ساندوها، ولفتها الأنظار لقضية الأسيرات القاصرات فى السجون الإسرائيلية، يبرهن أن الأشهر الثمانية خلف القضبان، وعلى الرغم من المعاناة، كانت كفيلة بإنضاج وعيها أكثر وأكثر، ما يلقى العبء على المحيطين بها، للحفاظ على هذه القيادة الوليدة التى تخطو بثبات نحو المستقبل.
هذه الكاريزما التى تتشكل أمام العيون، على كل فلسطينى أن يسهم بدور فى تعبيد طريقها نحو الصعود، وألا يجرها البعض إلى حوارى الخلافات، أو أزقة التحزب البغيض، فنفقد وجها مشرعا على الأمل، إذا كنا نريد للمقاومة استعادة وهجها المفقود، على درب طويل لاسترداد الحق السليب الذى يتهرب كثيرون فى الوقت الراهن من دفع ضريبته.