بعيدا عن الجدل الدائر حول تفاصيل عملية العثور على الجنود السبعة المختطفين فى سيناء ومصير خاطفيهم، يجمع كل المراقبين أن التحدى الذى يمثله وجود الجماعات الموصوفة بالجهادية فى شبه جزيرة سيناء للأمن القومى المصرى هو خطير وحال، ولم يكن اختطاف الجنود إلا واحدا من مظاهر هذا التحدى لأمن مصر ولأمن مواطنى سيناء. ولذلك فالمطلوب الآن وبشدة هو وفاء القيادة السياسية بوعدها باستمرار جهود تحقيق السيادة المصرية على كل أنحاء سيناء، وخصوصا شمالها. ويقتضى ترجمة هذا الوعد والذى سبق أن قطعته على نفسها، خطوات بعضها ربما حاولت القوات المسلحة القيام به من قبل، والبعض الآخر يقتضى فكرا جديدا وجهودا دبلوماسية متعددة الأطراف.
•••
أولى خطوات المواجهة هى بكل تأكيد الدور الذى تقوم به أجهزة المعلومات فى المخابرات العامة والمخابرات الحربية والأمن الوطنى. هل تتوافر لدى هذه الأجهزة معلومات كافية ومتجددة حول عدد الجماعات المسلحة الموجودة فى سيناء وكيفية وصولهم لها، وجنسياتهم، هل هم من أبناء سيناء؟ وإذا كان بينهم أجانب كما تشير تقارير صحفية عديدة فما هى جنسياتهم؟ وما هى أهدافهم من الوجود فى سيناء؟ وماهو مدى تسليحهم وحدود قدراتهم؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ضرورية لتحديد الأساليب الصحيحة للمواجهة. إذا كانت أغلبيتهم من أبناء سيناء، فإن ذلك يدعو إلى اكتشاف الأسباب التى تجعل مواطنين مصريين سيناويين ينخرطون فى مثل هذه التنظيمات وصلة ذلك بالتهميش غير المسئول لشمال سيناء وغياب جهود التنمية الحقيقية فيه رغم كثرة ماقيل عن مشروع تنمية سيناء والذى لم يتقدم كثيرا لا فى العهد السابق ولا بعد ثورة يناير، وإذا كانوا يضمون أجانب، فإن المواجهة لا بد وأن تشمل مراقبة الحدود واستكمال المعلومات عن التنظيمات التى ترسل هؤلاء إلى سيناء. تشير مصادر صحفية إلى أن عدد هذه الجماعات فى سيناء يتجاوز سبعة آلاف، وأنها تسيطر على ما يزيد على ألف مسجد. لو صحت هذه الأرقام فإنها تكشف عن حجم التحدى الذى تواجهه السلطات المصرية وهى تتعامل مع هذا الملف الخطير، فلن تكتفى مثل هذه الجماعات بمجرد الوجود فى سيناء، ولكنها لابد وأن تستثمره بما تعتبره عملا جهاديا فى مواجهة السلطات المصرية والأهالى لصعوبة وصولها إلى إسرائيل.
ولا شك أن المواجهة المسلحة مع هذه الجماعات تقتضى أساليب خاصة لا تجدى فيها الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة، ولكنها مهمة يجب أن تقع بالأساس على فرق العمليات الخاصة محدودة العدد والمدربة جيدا على أساليب حرب العصابات المضادة، وهناك شواهد على أن القيادات العسكرية والأمنية أصبحت تدرك هذه الحقيقة. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه الخطة يستلزم زيادة عدد القوات المصرية الموجودة فى المنطقة «ج» الملاصقة للحدود مع غزة وإسرائيل. مما يقتضى معاودة النظر فى ملحق معاهدة السلام الخاص بذلك، وليس من المحتمل أن تضع إسرائيل عقبات كبرى أمام هذا التعديل، فعلينا أن نعترف بأن هذا التعديل يحقق مصلحة مشتركة لكل أطراف تلك المعاهدة.
•••
ولا يمكن لهذه الجهود الأمنية أن تنجح إلا إذا تضامن معها أهل سيناء. والطريق إلى ذلك هو أولا تغيير أسلوب تعامل الأمن مع مواطنى سيناء والعدول عن الأساليب التى تعودت عليها وزارة الداخلية معهم والتى انطوت على انتهاك خطير لحقوق الإنسان خصوصا من اشتبهت فيهم عن غير حق أجهزة هذه الوزارة، وهو ثانيا من خلال مشروع تنمية سيناء الذى لا يبدو أنه قد ترجم إلى واقع. وإذا كان من الصحيح أن قسما من آلاف «الجهاديين» الموجودين هناك هم من شباب سيناء، فإن واحدا من أسباب إبعادهم عن مثل هذه الأنشطة هو توفير العمل اللائق والدخل الكريم لهم وتمتع كل مواطنى سيناء بالحد الأدنى الضرورى من الخدمات الأساسية التى يبدو أنها تنقصهم إلى حد كبير. وفى هذا المجال لابد من الإقرار بأن تنمية سيناء تحتل أولوية تفوق بكثير كل هذا الاهتمام بما يسمى إقليم قناة السويس، لأسباب متعددة منها أن تنمية سيناء هو هدف يحظى بقبول وطنى عام على العكس من مشروع تنمية إقليم قناة السويس الذى يثير كثيرا من الخلافات ويلقى معارضة حتى بين مواطنى هذا الإقليم. فضلا على أن الدراسات الخاصة بتنمية سيناء موجودة على حين أن الدراسات الخاصة بالمشروع الآخر لم تبدأ بعد. وبينما تؤدى تنمية سيناء إلى تعزيز الأمن الوطنى، يخشى بعض الناقدين لمشروع إقليم قناة السويس أن يؤدى إذا ما جرى تنفيذه وفقا للمشروع المنشور عنه إلى تهديد الأمن الوطنى بدخول شركات وعناصر لا تعرف هويتها الكاملة وسيطرتها على مساحات واسعة فى هذه البقعة ذات الأهمية الإستراتيجية لأمن مصر.
•••
ولا شك أن حظر وجود هذه الجماعات المسلحة فى سيناء لا يمكن أن يتم طالما استمر وجود الأنفاق المتصلة بغزة فمنها ربما تأتى هذه العناصر، ومن خلالها تهرب، وعن طريقها تحصل على السلاح أو تقوم بتهريبه، ولا يكفى ردم الأنفاق الموجودة للقضاء على ظاهرة الأنفاق هذه، فسوف تستمر الأنفاق طالما استمر الحصار الفعلى الذى تفرضه إسرائيل على غزة حتى وإن ادعت بتخفيفه، ولذلك يجب على السلطات المصرية المبادرة بإقامة منطقة تجارة حرة مع غزة فى المساحة المجاورة لحدود مصر مع القطاع، وأن تتغلب على معارضة إسرائيل والولايات المتحدة لهذه الخطوة لأن التجربة الواقعية أثبتت أن حصار غزة أصبح بطريقة غير مباشرة يمثل تهديدا للأمن الوطنى فى مصر. ويجب توضيح أبعاد هذه الخطوة للرأى العام المصرى، وأنها السبيل للقضاء على المخاوف من أن تصبح سيناء هى الوطن البديل للفلسطينيين، فاستقرار الأوضاع فى غزة هو الذى سيقلل من رغبة الفلسطينيين فى مغادرتها.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية