رسم فنان الشارع الأمريكى «فرانك شيبرد فيرى» الرئيس السابق أوباما باللونين الأزرق والأحمر اللذين يمثلان العلم الأمريكى، وكتب تحتها كلمة واحدة «أمل». كان هذا الأمل الذى ملأ عقول وصدور العديد من أفراد الشعب الأمريكى وآخرين فى العالم أجمع. بعد سنين عديدة من الحرب والدمار والقتلى فى أنحاء العالم، نالت منطقتنا منها الجزء الأوفر، كان تورط الجيش الأمريكى والقوات الأخرى المتحالفة معه من أشد الفترات المظلمة والمليئة بالظلم بعد الحرب العالمية الثانية. إحياء الأمل فى قيادة تعمل على الرجوع لأصول أكثر إنسانية كما ظن الكثير وقتها هو ربما ما دفع بمؤسسة عريقة مثل نوبل لإعطاء أوباما الجائزة بالرغم من أنه لم يكن قد أنجز شيئا بعد. تلقت المؤسسة نقدا أعتقد أنه مستحق على إعطاء الجائزة لأوباما.
***
فى إحدى الزيارات النادرة فى مكان عملى، التقيت مع أحد معارفى الشباب مصادفة فى حضور بعض من زملائى الأصغر فى الكلية من المعيدين والمدرسين المساعدين. شكوت لهم أنه يريد السفر للخارج للبدء فى دراسته الجامعية، وأوضحت لهم جميعا قناعتى بأن الحياة فى الخارج وخاصة فى الغرب الأوروبى أو حتى الأمريكى ليست كما يتخيلونها، مليئة فقط بكل ما يفتقدونه هنا أو مليئة فقط بالتحديات والمشكلات، ولكن الأهم بالنسبة لى أنك فى النهاية حتى وإن كنت قادرا على إيجاد عمل مناسب والعيش بصورة لائقة، إلا أن قدرتك على التأثير على المجتمع للأفضل أقل كثيرا مما يمكنك أن تقوم به هنا. وقناعتى أن الإنجاز فى حياة الإنسان مرتبط بقدرته على التأثير فى مجتمعه للأفضل. قلت لهم أيضا أن ما يريده، واتضح أنهم يؤيدونه جميعا تقريبا، ما هو إلا هرب من تحديات إلى مكان قد لا يكون أفضل كثيرا.
أنا فى الأغلب أتفهم دوافعهم وإن كنت لا أتفق مع آرائهم، وأعتقد أن ما يطرحونه يستحق المناقشة الجادة لأننا فقدنا ونفقد بعضا من العقول الشابة اللامعة التى بإمكانها المساعدة فى مواجهة جادة للمشاكل التى تحيط بنا. ما يحدث الآن أن البعض من هؤلاء الشباب فارقنا لأماكن تستفيد من بعض مهاراته وقدراته وتوفر له سبلا للعيش مناسبة لما يتطلع له. وفقدنا نحن مواهبه الفكرية وقدراته الضرورية لخلق استجابة للتحديات التى لا تنفك عن الظهور فى كل وقت. أما البعض الآخر فأراه قد استسلم لما يعيش فيه هنا وتخلى حتى عن بعض الطموحات الأكاديمية والعلمية المشروعة من أجل توفير حياة مقبولة لأسرته الصغيرة. لا أزعم أن من أناقشهم هم كل الزملاء الأصغر حيث أرى آخرين لم أستطع بعد فهم تطلعاتهم.
لكننى أستطيع أن أربط ما يفكر فيه هؤلاء الزملاء بما أقابله أحيانا فى عملى. ولا يغيب عن بالى نهاية نقاش مع أحد المسئولين فى إطار أحد المشروعات التى كنا من خلال أحد مراكز البحوث فى الجامعة نحاول ربط المعرفة بالتنمية والحفاظ على المناطق التاريخية، ولكن ربما بسبب البيروقراطية أو أسباب أخرى لم يتم استخدام مقترحاتنا بعد موافقة أولية عليها، بل تم تشويهها للأسف. قلت للمسئول أننا قدمنا عملنا ومجهودنا لأننا نرى أهمية كسر تلك الحلقة المفرغة أو الدائرة الشريرة من التدهور فى مدننا وفى مبانينا العامة من خلال طاقة تحاول أن تجدد وتبدع لمصلحة المجتمع وأفراده. وصل النقاش لنهايته وقلت للمسئول وقتها أن ما نقوم به من مجهود أعتقد أنه واجب على تجاه من يفتقدون الأمل ويسافرون بحثا عن تعليم وفرص أفضل فى الحياة. أردت أن أبرهن لنفسى قبل أن أبرهن لهم أنه من الممكن أن تعيش هنا وأن يكون لديك أمل وسيكون كل ما تحتاجه عزم جاد بالإضافة إلى ذكاء وعلم.
***
أحد زملائى الأصغر سنا والملىء بالطاقة والحياة والعلم كتب تغريدة منذ فترة أن من خلال ما يراه حوله فإن من يبقون هنا هم الفاشلون فقط. وهو هنا يقارن موقفه وربما آخرون يعرفهم بالعديد من زملائه الذين تمكنوا من السفر إلى الخارج لتكملة أبحاثهم فيما بعد الدكتوراه أو ربما للعمل فى تلك التخصصات المتقدمة والتى تحتاج إلى بنية أساسية وأيضا دعم معنوى ومؤسسى، وهى من التخصصات التى نحتاجها بالتأكيد بشدة. فهمت هذا فى جانب منه بأنه تعبير عن افتقاد أمل مشروع فى أن تكون قادرا على اختبار قدراتك وأحلامك وطموحاتك مع من يستطيع فهم قدراتك ويساعدك على الوصول إلى حياة لائقة.
كتب كورت فان منسفورت فى كتابه المترجم للإنجليزية منذ وقت قريب تحت عنوان «الطبيعة القادمة» صعوبة تخيل مستقبل أفضل مقارنة بديستوبيا سوداوية ــ مجتمع يسوده البؤس والسوء ــ تجعل التفاؤل (بالنسبة لى الأمل) يبدو للبعض وهما ولكنه للبعض الآخر واجب المرحلة. والآمال التى تعد بالتحقق هى ما يبقى الكثيرين أحياء وهى ما يدفع الموهوبين منهم للعمل بكد لمواجهة الإحباط وتغيير الواقع إلى ما هو أفضل. ولكن أين هو هذا المكان الذى يمكن فيه للأمل الذى فى صدورنا أن يتحول من طيف أو أطياف بلا هيكل مادى إلى ما يمكن أن نتحسسه ونشم رائحته وتسعد عيوننا بالدوران حوله.