كنت فى زيارة لميت رهينة فى يوم جمعة من أسابيع قليلة، ووجدت الناس تهدم الدرجات الجرانيتية لمحلاتها فى البدرشين بسبب إنذار من الحى، كما قال لى سائق التوكتوك الذى كنت أركبه، ويبدو لى (لم أطلع بالطبع على المخطط التفصيلى لما سينفذ) أن هناك خطة لتوسيع ورصف الشارع. لم أكن أبدا متعاطفا مع المخالفين للقوانين، وخاصة هؤلاء الذين يتعدون على حق الناس فى الشارع، ولكنى أيضا حزين على إهدار تلك الموارد الثمينة والتى كان ينبغى التفكير فى كيفية الاستفادة منها بأحسن صورة من خلال الفك والتركيب وإعادة الاستخدام فى مكان آخر. وهو ما دفعنى للتفكير فيما عرضته حتى الآن من رؤية عامة للنمو المتجدد لميت رهينة وأعمدتها الثلاثة التى تم تناولها حتى الآن، فهذه الرؤية العامة يمكن أن تساعدنا فى توفير بديل ربما يكون أقل تكلفة وأعظم فائدة. هذا ما سأعرضه فيما يلى.
يمكننا أن نتعاون مع أكاديمية البحث العلمى وخاصة مركز حماية النباتات البرية المهددة بالانقراض لاختيار الأشجار والنباتات البرية الملائمة للشارع ليصبح الشارع فضاء للحياة لكل الكائنات (الفلورا والفونا ومنها نحن)، والتى ربما يكون تأثيرها أكثر حسما فى تحسين الهواء وأقل تكلفة بالطبع من مشروع السيارات الكهربية الخاصة الذى يدعم نشرها البنك الدولى وتوافقه حكومتنا على ذلك.
كما يمكننا أن نبدأ بتحويل التوكتوك إلى مركبة كهربية، وهو بالفعل موجود فى بلد المنشأ مع تنظيم سيرها. كما يمكننا أيضا أن نقوم بعمل تعاونية لسائقى الميكروباص المتهالك، وسنلجأ للمشروع الجديد الذى تطبقه الحكومة مع البنك الدولى لتحسين جودة الهواء ونستعين بخبرة أحد المكاتب المصرية الشابة المتخصصة فى تخطيط التنقل وكهربة الميكروباص للبدء فى مشروع تجريبى لكهربة الميكروباصات.
وبينما لا نستطيع البدء بتشجيع استخدام الدراجات فى التنقل اليوم حتى تثبت القياسات تحسن جودة الهواء لدرجة مقبول، وإلا أننا يمكننا البدء فى الدراجات ذات الثلاث عجلات لنقل البضائع مع توفير كمامة خاصة واقية لسائقها. وسيتم استيراد أعداد قليلة منها على أن يتم فى القريب إطلاق مسابقة أو مشروعات للتخرج لتصميم وتصنيع نموذج ملائم وذى تكلفة منخفضة ومتانة وكفاءة عالية. ولكننا سنبدأ بعد ستة أشهر من المشروع فى تظليل أجزاء من الشارع خاصة فى الصيف باستخدام مواد محلية حتى تتمكن الدراجات ويتمكن المشاة من استخدام الشارع بصورة مريحة وأكثر كفاءة.
سنقوم بمشروع تجريبى لاستخدام الحزازية أو النباتات الأخرى التى اكتشف العلماء فى وقت سابق من هذا العام قدرتها الفائقة على امتصاص التلوث فى الشوارع المزدحمة، وهو نوع من نبات السفرجلية ويمكن زراعة تلك النباتات على حوائط الأسوار خاصة تلك المحيطة بمناطق الحفريات الأثرية على امتداد الشارع، وستزرع فى أحواض حتى لا تؤثر على التربة المحلية. سنجرى بالتوازى لتلك التجربة تعاونا مع معاهد الأبحاث المتخصصة لدراسة أى من النباتات المحلية يمكنها القيام بهذا الدور. كما سنقوم بتجربة استخدام الحزازيات فى الفراغات الداخلية المطلة على الشارع مثل المقاهى، وسنقوم بدراسة كفاءته واقتصادياته. ويمول هذا المشروع من خلال مشروع تحسين جودة هواء القاهرة الذى يقوده البنك الدولى مع وزارة البيئة. وستتيح النتائج الأولية لتلك التجربة تقرير متى يمكن البدء بالسماح باستخدام الدراجات بصورة مكثفة.
•••
سنقوم بعمل حدائق للأمطار وهى عبارة عن منخفض بعمق حوالى ثلاثين سنتيمترا وعرض لا يتجاوز المتر على جانبى الشارع وسيدعم ذلك بداية إصلاح منظومة المياه وأيضا استعادة التنوع الطبيعى فى ميت رهينة من خلال النباتات البرية المزروعة بها والتى تعمل كمرشح لمياه المطر قبل أن تساعد فى تسربها للمياه الجوفية السطحية. كما سيساهم نشر مجموعة من الصوبات الزراعية الصغيرة فوق الأسطح الكبيرة، وخاصة فى المدارس والمبانى العامة، فى ترشيد استهلاك المياه محليا عن طريق تنفيذ مشروع محلى لمعالجة المياه باستخدام النباتات والبكتيريا وهو ما يمكّن من توفير ما يقرب من نصف استهلاك المياه العذبة أو يزيد. كما سيوفر جزءا من الخضراوات الطازجة التى تصلح للاستخدام للطلبة أو بيعها لمن يريد. ستسهم تلك الزراعة فى تقليل المخلفات العضوية إلى حد كبير (فى دراسة قريبة لنسبة المخلفات العضوية لباقى المخلفات بقرية دهشور الواقعة جنوب ميت رهينة وجد أن 63% منها عضوى) وهو ما يمكن تحويله إلى سماد وتربة لنباتات وتقليل ما يحتاج للجمع والتخلص منه بعيدا. وسيمكن عمل هذا المشروع التجريبى بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة حيث أنها مهتمة بمثل تلك المشروعات.
وسيقوم المشروع أيضا بتحسين الإضاءة فى الطريق بالصورة التى توفر حماية لمستخدميه وخاصة النساء ليلا وأيضا بالصورة التى لا تضر بالتنوع الطبيعى من خلال التسبب فى القضاء على نسبة كبيرة من الحشرات كما تفعل وحدات الإضاءة من نوع الليد. وسيُستخدم القانون الذى أقر بالسماح بعمل عدادات الكهرباء ذات الاتجاهين وهى التى تسمح لمستخدمى الخلايا الشمسية فى تخزين الكهرباء فى الشبكة نهارا واستخدامها ليلا مما يوفر نفقات كبيرة فى شراء البطاريات الخاصة بالخلايا الشمسية. يوفر هذا المشروع حوافز مالية مقابل استخدام الأسطح فى تركيب الخلايا الكهربية.
•••
سنقوم بتعريف السائحين وزوار متحف ميت رهينة بالمشروع الذى نقوم به وهو ما سيجذب اهتمامهم أكثر وتقديرهم للمكان، وسنطلعهم على تطوره من خلال موقع المشروع على شبكة المعلومات الدولية والذى سيمثل بداية يتم تطويرها إلى منصة رقمية للمتحف يتاح من خلالها معلومات عن المنظومات المختلفة للمشروع من حيث التنوع الطبيعى والماء والتربة وجودة الهواء لطلبة المدارس بالمنطقة وما حولها.
بدلا من تنفيذ المشروع الحالى ربما فى عدة أشهر، سيستغرق التحول الذى نقترحه سنتين أو ثلاثة ولكنه سيفضى إلى تحول حاسم فى الشارع والأهم أنه سيدعم ويرتبط مع باقى المشروعات التى تستهدف النمو المتجدد لميت رهينة، ولكن هذه المدة الزمنية منطقية وتضمن دعم عملية مستدامة. العام الأول من المشروع مخصص لاختبار وتجربة بضعة مشروعات ثم فى العام الثانى يتم استخدام نتائج تلك المشروعات فى الإسراع فى عملية التحول وتوجيهها بصورة أفضل، كما سيتم البدء باختبار ربط تلك المشروعات بمشروعات أخرى. أما فى العام الثالث فنتمنى أن يكون انطلاق الشبكة الأكبر من المشروعات التى تستهدف التحول المتجدد لميت رهينة سواء فى الجيوب الزراعية أو فى منظومة الماء والطبيعة أو فى المنصة الرقمية بالمتحف.