قبل عامين من انتهاء تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية أصبحت مسألة الانتخابات الرئاسية القادمة شاغلا لقطاعات مهمة من الرأى العام فى مصر، كما تشهد على ذلك مقالات لعدد من كبار كتاب الأعمدة فى الصحف المصرية، فعلق بعضهم على دعوة أحد المواطنين فى محافظة المنيا لبدء حملة لجمع أربعين مليون توقيع للمطالبة بمد فترة رئاسة السيسى أربعة أعوام إضافية دونما حاجة لإجراء انتخابات، بينما كتب آخرون يحبذون أو ينتقدون اقتراح الدكتور عصام حجى المستشار العلمى السابق للرئيس المؤقت عدلى منصور بضرورة بدء الاستعداد لبديل مدنى يشارك مرشحا فى هذه الانتخابات الرئاسية.
وقد يرى البعض أن هذا الحديث سابق لأوانه، فمازال أمامنا عامان حتى يحين موعد هذا الاستحقاق الانتخابى، ولا داعى للعجلة فى تناول هذا الأمر، بينما يرى كاتب هذه السطور أن هذا الاهتمام يأتى فى موعده تماما، ولا ينطلق هذا الموقف الثانى من عداء للرئيس السيسى أو اعتراض على ترشحه فى هذه الانتخابات لتولى فترة ثانية، ولكن لأن الدعوة لامتداد فترة الرئيس أعواما أخرى دون انتخابات هى دعوة خطيرة تستهين بأحكام الدستور، وقد تفتح الباب أمام دعاوى قضائية فى المحكمة الدستورية لوقف هذه المخالفة الصريحة لمواد الدستور التى تحدد فترة تولى رئيس الجمهورية، ولن يمكن للمحكمة الدستورية أن تجد سندا فى الدستور يؤيد مثل هذا الخروج على أحكامه، وحتى لو طال أمد نظر مثل هذه القضية أمام المحكمة الدستورية، فمجرد إقامتها ستكون طعنا على شرعية الرئيس، وادعاء بنكوص عن تعهدات الثالث من يوليو 2013 التى فتحت الطريق أمامه لتولى رئاسة الجمهورية، فقد كان أول هذه التعهدات هو صياغة دستور جديد، وهو ما تم بالفعل فى يناير 2014، ولذلك فسوف يسىء إلى الرئيس الذى أشرف على إنجاز هذا التعهد، أن يكون هو أول من يضرب بعرض الحائط أهم أحكام هذا الدستور، كما أن مثل هذه الدعوة توحى بأن الرئيس قد لا يستطيع الحصول على تأييد المواطنين لتوليه فترة ثانية فى ظل انتخابات حرة ونزيهة، ومن ثم فهى تتحايل على ذلك بتوفير ما يعتقد أصحابها أنه غطاء شعبى لانقلاب دستورى. وليس هناك ما يوحى بأن الرئيس السيسى قد لا يكون قادرا على كسب أغلبية مريحة فى مثل هذه الانتخابات إذا تمت، فلا يبدو فى الأفق أن هناك مرشحا يستطيع الفوز أمامه، ويعد المصريين فى نفس الوقت بأن يوفر لهم الاستقرار الذى ينشدونه، وهو أقوى حجة لصالح الرئيس فى مثل هذا الموقف. وقد أوضح استطلاع مؤسسة بصيرة الأخيرة أن قرابة ثلثين من عينة استطلاعها عازمون على انتخاب السيسى إذا ما ترشح لفترة مقبلة.
***
من ناحية أخرى، فالانخراط فى هذا الحديث هو مفيد للغاية للرئيس السيسى، ولكل من يرغب فى الترشح فى هذه الانتخابات أو تأييد مرشح آخر فيها، لأن الحديث عن الانتخابات هو فرصة لطرح التمنيات حول وعود المرشحين، حول ما لم يتحقق من وعود سابقة، وحول الدروس التى يجب تعلمها من آخر انتخابات جرت، ومن شأن ذلك أن يساعد المرشحين المحتملين على بلورة برامجهم، والسعى لكسب القوى أو تيارات الرأى العام التى يتطلعون لمساندتها.
وهناك أمران أساسيان سيشغلان المواطنين عند اقتراب موعد هذه الانتخابات، أولهما هو التوجه العام للبرامج الانتخابية، وذلك دون الدخول فى التفاصيل، وثاينهما هو الدروس التى علينا تعلمها من الانتخابات الرئاسية السابقة. بكل تأكيد هناك من ندموا على تصويتهم لصالح الدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين فى الانتخابات الرئاسية فى يونيو 2012، ولا أتجاوز الحقيقة فى القول بأن قسما ممن أيدوا الرئيس السيسى فى مايو 2014 يشعرون بالإحباط أن بعض سياساته لا تتفق مع ما توقعوه عندما أعطوه أصواتهم، ولذلك استفاضت الكتابات الصحفية فى تحليل أسباب انهيار تحالف يونيو 2013 بخروج القوى الليبرالية واليسارية وشباب ثورة يناير منه. ولذلك سيكون أحد الدروس التى يجب تعلمها هو كيف يضمن الناخبون أن المرشح الفائز الذى يعطونه أصواتهم لن يفاجئهم بالنكوص عن الوعود التى يقطعها لهم أثناء حملته الانتخابية؟
برامج الحملات الانتخابية
لا أتصور أن تتكرر فى حملة الانتخابات الرئاسية فى 2018 نفس موضوعات حملات 2012 أو 2014. لن يكون استئصال الإرهاب أو القضاء على تنظيم الإخوان المسلمين موضوعات تجذب الناخبين. لقد تكفلت الإجراءات القمعية التى اتبعتها الحكومة ضد الإخوان والانقسامات التى دبت فى صفوفهم بإضعاف تنظيم الإخوان، ومع أنه من المستبعد أن يتم القضاء نهائيا على التنظيمات الإرهابية فى سيناء ومدن أخرى فى مصر، إلا أن الضربات الموجعة التى تلقتها هذه التنظيمات على يد قوات الجيش والأمن قد أسقطتهم من شواغل المواطنين كقضية يتوقعون من مرشحى الرئاسة أن يطرحوا حلولا جديدة لها. ولذلك فلعلى لا أكون مخطئا بالقول إن ما سوف يتطلع إليه المواطنون فى برامج المرشحين للرئاسة فى سنة 2018 هو أن يتعهدوا بإنهاء فترة الحكم الاستثنائ الذى عرفته مصر منذ سنة 2011 وعودتها إلى أحوال طبيعية فى السياسة والاقتصاد وفى الثقافة والإعلام والمجتمع. والاسم الآخر للعودة إلى أحوال طبيعية هو ببساطة العودة إلى حكم القانون بالمعنى الصحيح. فما هى أبعاد حكم القانون؟.
طبعا البعد الأول لحكم القانون فى المجال السياسى هو إنهاء كل خروج على الحريات الشخصية والمدنية والسياسية للمواطنين. للأسف نحن لا نعرف كم من المواطنين يجدون أنفسهم فى غياهب السجون دون محاكمة أو قيد الحبس الاحتياطى. تصفية السجون من هؤلاء ووقف مثل هذه الممارسات سوف يشيع مناخا من الارتياح فى المجتمع، وربما يوقف كثيرا من التهديدات الإرهابية المحتملة ويحول دون انزلاق أعداد مهمة من الشباب للإنخراط فيها. ويقترن بذلك إصدار عفو عام عن كل من لم يثبت مشاركته فى أنشطة إرهابية وفقا للمعنى الدقيق للنشاط الإرهابى، وإلغاء أوامر مصادرة أموال وممتلكات وحل جمعيات بدعوى انخراط أصحابها فى مثل هذه الأنشطة. والواقع أن تطبيق حكم القانون بهذا المعنى لا يقتضى بالضرورة إعلان مصالحة شاملة مع الإخوان المسلمين وشباب ثورة يناير، فهو مجرد تطبيق للحق فى المواطنة بحكم الدستور، ولكنه سيكون خطوة هامة نحو الاستقرار السياسى فى مصر إذا استند إلى رؤية رحبة لا تجرم المواطن بسبب انتمائه السياسى، وتفتح باب المشاركة السياسية أمام جميع التيارات مادامت ملتزمة بوسائل العمل السياسى السلمى وبعدم تكفير أو تخوين إو إثارة الكراهية ضد مواطنين آخرين لهم عقائد أو انتماءات فكرية مغايرة.
والبعد الثانى الهام فى العودة إلى أحوال طبيعية هو التزام كل مؤسسات الدولة بحدود وظائفها. ولذلك يجب توجيه الشكر للقوات المسلحة على ما قامت به من إجراءات لضمان أمن الوطن ومساعدة أجهزة الدولة الأخرى على أداء مهامها. ولكن لن تخرج مصر من أوضاع شبه الدولة إذا ما كانت القوات المسلحة هى التى تتولى مهام الإشراف على البطاقات التموينية، وإقامة عاصمة جديدة، والإشراف على إقليم قناة السويس، وإصلاح الأراضى، وإقامة مشروعات استثمارية على جوانب الطرق التى تقوم بمدها بل وإصلاح الأجهزة الإدارية فى الدولة. هناك مهام لأجهزة الحكومة المدنية لابد لها من القيام بها وبكفاءة. وربما يكون مناسبا هنا توسيع عملية الإصلاح الإدارى لتشمل رفع كفاءة هذه الأجهزة.
وسوف يكون عام الانتخابات هو العام الثانى لتطبيق الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، ولذلك سوف يتعين على مرشحى الرئاسة أن يحددوا كيف يمكن للاقتصاد المصرى أن يتعافى من تأثير هذا الاتفاق على مستويات التشغيل والفقر، وهذا هو البعد الثالث فى العودة إلى الأحوال الطبيعية. فكيف يمكن تجنب سقوط الاقتصاد المصرى مرة أخرى فى هوة الحاجة لدعم خارجى يبعث فيه الحيوية؟. لابد هنا من اقتراح بديل للسياسات الاقتصادية الحالية التى تستنزف جانبا كبيرا من الموارد فى مشروعات لا تضيف كثيرا إلى الطاقة الإنتاجية للبلاد ولا تضاعف من قدراتها الاقتصادية، بل ولا تسهم كثيرا فى مكافحة الفقر والبطالة. وهنا مرة أخرى تقتضى العودة للأحوال الطبيعية التعويل أساسا على كل من القطاعين الخاص والعام المدنيين فى تحقيق انطلاقة الاقتصاد. ومع توجيه الشكر مرة أخرى للقوات المسلحة، فلا يمكن بناء اقتصاد قوى فقط بالتعويل على دورها الاقتصادى الاستثنائى.
دروس الانتخابات السابقة
وأخيرا، ما هى الدروس التى يمكن لنا تعلمها من الانتخابات الرئاسية السابقة؟ علينا أن نطالب وأن نلزم كل مرشح بأن يقدم برنامجا واقعيا يعالج القضايا السابقة وغيرها من القضايا التى تهم المواطنين، وعلينا أن نتأكد أن له من الخبرة فى إدارة شئون الدولة ما يؤهله لتولى المنصب الأسمى فيها، وأن نحرص على معرفة فريق الخبراء الذى سيتعاون معه، وأن نعرف من سجله الشخصى أنه شخص متواضع، لا يستأثر بالرأى، ولا يتردد فى طلب المشورة، وأنه يتحمل النقد، بما فى ذلك السخرية البريئة منه فى برامج التليفزيون، وأنه يعرف القوى السياسية والحزبية التى سيطلب تأييدها لبرنامجه عندما ينجح فى الانتخابات، وأنه لا يهزأ لا بالدستور ولا بالديمقراطية، وأنه يلتزم بترجمتهما إلى واقع عندما يتولى السلطة.
هناك الكثير مما ينبغى التفكير فيه بشأن هذه الانتخابات المقبلة بعد عامين، وربما يؤدى النقاش حولها من الآن إلى وضع الناخبين والمرشحين فى وضع أفضل لمصر عندما تحين لحظة الاختيار.