قال رسول الله «ص»: «مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ»، والحواريون هم الذين أخلصوا فى حب أنبيائهم وخلصوا من كل عيب كما يقول معظم من تصدى لشرح هذه الكلمة.
وقد أطلق القرآن كلمة الحواريين عادة على أصحاب المسيح، حتى اشتهرت بأصحابه المخلصين له الذين آووه ونصروه وتحملوا العناء والعذاب معه.
وقد مدح القرآن حوارى المسيح وتحدث عن حواراتهم ونقاشاتهم معه «قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» ــ أى مستسلمون لله وأمره ــ «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِى وَبِرَسُولِى قَالُوا آمَنَّا» وأثبت نصرتهم لله ولرسوله المسيح، «قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ» وروى القرآن طلب الحواريين للمائدة مفصلا ذلك.
والمؤسف أن أكثر المسلمين والمسيحيين لا يعلمون شيئا عن حوارى الرسل عامة وحوارى المسيح خاصة، ومن لا يقرأ تاريخ الأنبياء وحوارييهم فلن يعلم عن تاريخ الصلاح والتقوى شيئا، فكما اصطفى الله الرسل اصطفى لهم حوارييهم وأتباعهم وأنصارهم المقربين فهم حملة الرسالة والمبلغون عن الرسل وشموع الهداية بعدهم.
وقد بدأ المسيح بأربعة من الحواريين بعد موت أول حوارى له وهو «يوحنا» فى حياته، وهم سمعان ويطلق عليه بطرس وشقيقه اندراوس، يعقوب بن زبدى، وشقيقه يوحنا، ثم اكتمل عقد الحواريين بثمانية آخرين وهم فيلبس، برثولماوس، توما، متى العشار، يعقوب بن حلفى، لباوس الملقب تداوس، سمعان القانونى، يهوذا الاسخريوطى الذى يذكر أنه أسلمه للرومان.
وقد وضع المسيح عليه السلام عدة شروط قاسية لاختيار هذه الصفوة ومنها:
1ــ أن يكون المسيح أحب إليه من أى أحد حتى من نفسه, فقد قال لهم المسيح وهو يختارهم من بين الجموع الغفيرة التى سارت خلفه «إن كان أحد يأتى إليَّ ويحب أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضا فلا يقدر أن يكون لى تلميذا»، وهذا الشرط وجد فى القرآن فى قوله تعالى «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِى اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» وفى الحديث الشريف «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما».
2ــ أن يكونوا مستعدين للموت فى سبيل عقيدتهم وهى تشبه قولة المعاصرين «يحمل كفنه على يديه».
3ــ أن يتحمل تبعات الرسالة حتى النهاية وأن يصمد للاضطهاد والتعذيب وقد ضرب المسيح عليه السلام لهم مثلين فى ذلك لا يتسع المقام لهما، ويعقب بقوله «فكل من لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون تلميذا لى».
وقد غير المسيح أسماء بعض الحواريين بعد أن قبلهم، وقد منح المسيح بعض هؤلاء الحواريين جزءًا مما منحه الله من شفاء المرضى.
ولعل قسوة هذه الشروط ودقتها تعود إلى أن هؤلاء سيشاركونه فى شفاء المرضى وعلاجهم مجانا، فضلا عن تبليغ الرسالة وذلك كله لوجه الله، فإذا تقاطر المحبون فضلا عن المرضى عليهم لا يطمع أحد بعد ذلك فى دنياهم ولا يطلب منهم شيئا تطبيقا لمبدأ كل الأنبياء والرسل مع أقوامهم «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا».
وهذا المبدأ من أهم مبادئ النبوة ذكره القرآن مع كل الأنبياء بلا استثناء، ولك أن تتصور طبيبا يعالج أخطر الأمراض مجانا فضلا عن تبليغه لرسالة السماء فتأمل كم الإغراءات التى ستقدم له، وكم الصمود النفسى والإيمانى الذى يحتاجه للوقوف فى وجه هذه الإغراءات وصدها بقوة وعزيمة ولذلك يقال دوما للرسل وحواريهم «خذ ما آتتيك بقوة»، «خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍۢ ».
وقد ورد فى الإنجيل «وكان يسوع يطوف المدن والقرى يعلم فى مجامعها ويبشر بالملكوت ويشفى كل مرض وضعف فى الشعب فتقاطر الناس والمرضى عليه بالعشرات والمئات لما رأوا من المعجزات «وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ».
وقد بدأ المسيح بأربعة من الحواريين ولما تقاطر الناس والمرضى عليه احتاج لزيادة حوارييه حيث قال «الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده» فاستجاب الله له وأرسل له ثمانية من الحواريين.
وقد أوصى المسيح حوارييه بوصايا كثيرة أهمها الذهاب إلى مدن وقرى اليهود فقط دون الأخرى «اذهبوا إلى خراف بنى إسرائيل الضالة» وأمرهم أن يقولوا لهم أنه قد اقترب ملكوت السموات، اشفوا المرضى وأقيموا الموتى، وأخرجوا الشياطين مجانا، وكما أخذتم مجانا أعطوا مجانا، مع جملة كثيرة من وصايا دعوية هامة سنفصلها فى لاحقا إن شاء الله والمختص بهذه النقاط تحديدا، والخلاصة أنه كان يتعاهد حوارييه وتلاميذه بالنصح والبيان والتوجه ولم يفترق عنهم إلا نادرا.
أما موعظة الجبل فلم تكن للحواريين خاصة بل كانت لأمته عامة حيث اجتمع له فيها المئات من الخواص والعوام.
حوارى الرسل هم أهل العزمات والقلوب النقية التى لا تعرف إلا الله، ولا تنظر للحطام، سلام على الحواريين فى كل عصر.